مفاهيم في الوحى (1)
الهدى 1223 سبتمبر 2020
على مدى التاريخ ظهرت مفاهيم ونظريات كثيرة عن الوحي، كان لها صدى واضح في تشكيل بعض الآراء، لذلك رأينا أن نقوم بعرض هذه الآراء ومناقشتها، لإدراك المفهوم الصحيح عن الوحي:
نظرية الوحي الطبيعي
تتلخص هذه النظرية بإعطاء مكانة عالية للإنسان، فهي تنادي بأن الوحي ما هو إلا بصيرة سامية لدى الإنسان وحس ديني مرهف، ومن خلال هذا الحس الديني يكتب الإنسان ما هو روحي ليعالج به الروحيات، وهذه النظرية تساوي بين ما يكتبه الإنسان الروحي، وبين الكتاب المقدس مع أنَّ الفارق بين الاثنين ضخمًا.
نظرية الوحي الجزئي
تنادي نظرية الوحي الجزئي، بأن الله منح الإنسان عند كتابة الأسفار المقدسة قدرة خاصة على كتابة الحق فيما هو خاص بالأمور الإيمانية وممارستها فقط، أما عند كتابة الأمور العلمية أو التاريخية فلم يحفظ الله كتبة الوحي من الخطأ، لذلك قد نجد بعض الأخطاء العلمية والتاريخية في الكتاب المقدس، وهذه النظرية لا تفرق بين ما حفظه الله، وبين ما أخطأ فيه الكاتب، وهذا أمرٌ يتعارض مع فكر وقول الكتاب نفسه حين كتب الرسول بولس بالروح القدس قائلاً: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ» (2تيموثاوس 3: 16).
نظريّة الوحي بالأفكار
يؤمن أصحاب هذه النظريّة بأن الله قد أوحى بالأفكار التي يريد توصيلها للإنسان، وترك مهمة صياغة هذه الأفكار، بالكلمات المناسبة للكاتب البشري، ويأتي عجز هذه الفكرة في كونها غير منطقيّة فكيف يمكن أن نفصل بين الفكرة وكلماتها، أو كيف يُعبر الكاتب البشري بصدق عن فكرة لم تصدر عنه، وهذه النظريّة تتعارض أيضاً مع ما قاله الرسول بولس لأهل كنيسة كورنثوس حين قال: «وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ. الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ ..» (1كورنثوس 2: 12، 13).
نظريّة الوحي الإملائي
يؤمن أصحاب هذه النظريّة بأن الله استخدم كَتَبة الأسفار المقدسة كمجرد أقلام، أو أدوات فقط، تسجل ما يُملى عليها دون تفكير أو اعتبار لشخصيّة الكاتب أو مستواه العلمي أو غير ذلك، وفي هذه النظريّة لا نستطيع تفسير سبب الاختلاف الواضح بين أسلوب كتابة موسى عن عاموس، أو بطرس عن بولس مثلاً، إذا كان كل منهم كتب ما أُملي عليه فقط.
نظريّة احتواء الكتاب المقدس على كلمة الله
تعتبر هذه الفكرة من أخطر الأفكار إذ يقول أصحاب هذه النظريّة، أنّ الكتاب المقدس ما هو إلا كتابٌ بشري، وينادون بالتفرقة بين ما هو كلمة الله، والكلمة المكتوبة، ويزعمون بأن الكتاب المقدس يحتوي على حق الله، وهم بذلك يعتبرون الكتاب المقدس كتابًا بشريًا، كتبه البشر، لكنه في نفس الوقت يحتوي على رسالة، وهذه الرسالة هي كلمة الله، ففي خلفية الكلمات البشرية المسجلة في الكتاب المقدس تكمن رسالة إلهية هي رسالة الله وكلمته. وهكذا فإن هذه النظريّة لا تفصل بين كلمة الله، والكلمة المكتوبة، فإذا لم تكن كلمة الله المنطوقة مساويّة لكلمات الكتاب المقدس المكتوبة، فمن هو الذي يُحدد لنا كلمة الله الموجودة في الكتاب المقدس؟، كما أن أصحاب هذه النظرية وهم يؤمنون بأن الكتاب يحتوي على كلمة الله، فإنهم حين يدافعون عن القضايا الدينية فإنهم يسرعون للاقتباس من الكتاب المقدس، فكيف وهم لا يؤمنون بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، ينادون بما لا يؤمنون؟
في العدد القادم سنستعرض مفهوم الوحي من منظور كتابي.