قصة الميلاد تعلن: كفاية شخص المسيح
الهدى 1247 يناير وفبراير 2023
الشخصية المحوريّة في قصة الميلاد هو المسيح، الذي دار حوله الجميع من النجم لارتكاض الجنين في بطن إليصابات، وهو الذي فيه تحققت كافة نبوات العهد القديم. وقد أعلنت قصة الميلاد بصفة خاصة عن كفاية شخص المسيح فهناك إعلانات كثيرة حول هذا الأمر، وقد ظهر في إعلانين هامين: الأول في الميلاد (لوقا 2: 8- 20) والثاني في بداية الظهور العلنيّ للمسيح (يوحنا 1: 29-34).
الإعلان الأول: كفاية شخص المسيح لأنه يخلص
كان الإعلان الأول في إنجيل لوقا للرعاة: «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ» (لوقا 2: 11) يتماشى مع الإعلان الأول في إنجيل متى ليوسف: «فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى 1: 21) وكلا الإعلانين يركزان على مهمة ورسالة شخص المسيح: يخلص، مخلص.
تميز البشير لوقا بالإشارة إلى الرعاة كما اختص أنجيل متى بالإشارة إلى المجوس. لماذا الرعاة؟ قد يكون لأنهم بسطاء فقراء ضعفاء وهذا هو فكر الله خلال الكتاب المقدس أنَّه لا يعمل مع القوي، ولكن يعمل من خلال الضعيف والفقير فعمل الله من خلال يعقوب وداود وسليمان…إلخ.
وقد يكون الإشارة للرعاة لأنهم يرعون رعية الهيكل التي كانت مخصصة للذبائح. وبالتالي الإعلان له خصوصيته أنَّه ليس بالذبائح الحيوانية يكون الخلاص ولكن الخلاص هو من مولود بيت لحم. ومن هنا تعلن السماء للأرض وللبشريّة كلها عن كفاية شخص المسيح لخلاص جميع الشعب، فهذا هو المخلص الذي يخلص من الخطايا.
كان الإعلان للرعاة مقدمة ونهاية في ثلاثة أمور: الأمر الأول :»لاَ تَخَافُوا» وهي من أهم عبارات الميلاد، الأمر الثاني: «أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ»، فالفرح مصاحب للميلاد، الأمر الثالث: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» السلام يعني أكثر من مجرد هدنة حرب ولكنها تعني الصحة والنجاح والأمن والكمال. وبين الفرح والطمانية في المقدمة والسلام والفرح في الخاتمة يكون المركز هو المخلص، فالطمأنية والفرح والسلام إمكانية متاحة وقرينة بشخص المسيح والمسيح وحده الذي فيه كفايتنا وأمننا وسلامنا وفرحنا.
الإعلان الثاني: كفاية شخص المسيح لأنه حمل الله الذي يرفع خطية العالم
القاريء لإنجيل يوحنا يرى أنه اتخذ مدخلين مهمين جدًا الأول هو التعبير عن شحص المسيح بالكلمة وهومدخل يفهمه اليونانيّ: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ.» (يوحنا 1: 1-2) ويستخدم كلمة «الحمل» وهو مدخل يفهمه اليهوديّ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَم» (يوحنا 1: 29).
الكلمة مفهوم فلسفيّ يونانيّ والحمل مفهوم طقسيّ يهوديّ يستخدم مدلول الفصح اليهوديّ للتأكيد على عمل الله الخلاصيّ في التاريخ. الحمل ضعيف ولكنه يرفع خطية العالم، الكنيسة ضعيفة ولكنها يمكن أن تغير، ويمكن أن تنتصر، نحن ضعفاء ولكن لنا تأثير. لذا المسيح كفايتنا لأنه هو حمل اله الذي يرفع خطية العالم. رسالة الميلاد تعلن وتؤكد لنا عن كفاية شخص المسيح.
أيضا عندما تحدّث يوحنا عن مفهوم الكمة أراد أن يقول إنَّ مؤسس هذا الكون ومحركه والمسئول عنه هو المسيح ونجد هنا كيف طوع يوحنا الرسول الثقافة لخدمة الإنجيل، فمتى ركَّز على الخلاص ويوحنا وضع الحمل الذى يرفع خطية العالم، والكلمة الذي هو محرك العالم ومنشاة العالم، هنا نرى الضعف والقوه يمتزجان معًا فهو يبدو ضعيفًا ولكنه إله الكون ومحركه هو أصل الكون وأيضًا هو حمل الله موضوع الخلاص.
الإعلان الأول للرعاة أنه مخلص وإعلان يوحنا حمل الله الذي يرفع خطية العالم. والذي عُبَّر عنه سفر أعمال الرسل: « وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال الرسل 4: 12).
فلنعيد ولنفرح ولنبتهج لأن المسيح كفايتنا.