الزواج في الفكر المصلح
الهدى 1246 أغسطس – ديسمبر 2022
أعلن المصلح مارتن لوثر عام 1522، عندما كان لا يزال عازبًا، قائلًا: «إنَّ حالة الزواج قد تدهورت إلى مستوى غير مقبول، من عدم الاحترام لدى الناس». وأضاف، «الشيطان هو وراء كتابة الأمور السلبيّة حول الزواج، كيما يُخيف الشباب من تلك الحياة التي أوصى بها الله، ويوقعهم في شباك الفسق والخطايا السرّية. ردّد قول سليمان الحكيم: «من يجد زوجة، يجد خيرًا. وينال رضى من عند الرب» (أمثال 18: 22).
اعتقد مارتن لوثر، أن روما شوّهت مفهوم الزواج المسيحي، كما فعلت في الكثير من حقائق الكتاب المقدس، كمفاهيم التبرير بالإيمان، وصكوك الغفران، وغيرها. لهذا، يجب استعادة المفاهيم الكتابيّة الحقيقيّة». كتب لوثر الكثير عن موضوع الزواج، قبل أن يتزوج بخمس سنوات. وبعد اطلاقه حركة الإصلاح الإنجيلي، ألقى عظة عام 1519، علّق فيها على نص إنجيل يوحنا 2: 1-11، وكان موضوعها، حضور يسوع عرس في قانا الجليل. فقد ذكر قائلًا: «الزواج هو عطية الله الخاصة للإنسان. لم يكن الزواج فكرة الإنسان، لكن فكرة الله. وبالتالي، فالله هو الذي يجمع بين الرجل والمرأة في الزواج». وأضاف، «لم يكن الزواج صدفة. لكنه جُعِلَ لأجل الإنسان. فقد أعطى الله المرأة للرجل، لتكون له معينًا له في كل شيء، ولا سيّما لتحمل الأولاد في أحشائها».
كما تحدث في عظته عن ثلاثة أنواع من المحبة: الأولى، المحبة الزائفة التي تسعى من أجل نفسها، مثل محبة الإنسان للمال والممتلكات. ثانيًا، المحبة الطبيعية، مثل المحبة داخل العائلة، محبة الأب والأم لأولادهم، والإخوة لأخواتهم، والأصدقاء لأصدقائهم. ثالثًا، المحبة الزوجيّة، التي هي محبة الزوجين لبعضهما البعض، معتبرًا أنّ هذه المحبة هي النوع الأفضل والأسمى بين كل أنواع المحبة.
وقد صف الحب بين الزوجين على أنَّه: انسجام، واحترام، ووفاء متبادل. وعلَّم أن الزواج هو عمل يدي الله بجلاله. لهذا يجب ألاّ يُقدم، أو يتقول أحدٌ عليه باستخفاف، وإنما برزانة. ولا يجب أن يتساوى مع أمور أخرى، بل يجب أن يسمو عليها جميعها. قال، «من خلال الزواج يحافظ المسيحيون على قداستهم وسط الخطية المحيطة بهم في العالم. لهذا، دعا الشباب إلى الإقبال عليه كيما تقلّ الممارسات غير الأخلاقيّة في المجتمع. كما شجّعهم، على دراسة كلمة الله والصلاة وطلب قوة الله، لعيش حياة مسيحيّة أخلاقيّة بلا لوم.
وقد أكدَّ كلفن على أنّ قُدسيّة الزواج، تأتي من مُنشئئه، الله، حيث قال: «من أقدس سمات الزواج، أنّ الله وضعه، قبل سقوط آدم وحواء في الخطية». ثم أردف قائلًا: «أليس أمرٌ جميلٌ أنّه عندما كان الإنسان لا يزال في حالة البراءة، أسّس الله الزواج كي لا يكون آدم وحيدًا». فالزواج، كان الأمر الأول الذي أسّسه الله، وكرّمه من أجل الإنسان. وبالتالي، ليست الحياة الزوجيّة فرضيّة، لكنها أمر رائع. اعتقد لوثر أنه بعد السقوط في الخطيئة، التي أفسدت الجسد، فقد أصبح الزواج ضروريًا. في كتابه «الكاتشيزم الكبير» علّق لوثر على وصية الله القائلة: «لا تزن»، قائلاً: «الزواج هو حماية للإنسان وعلاج له من خطية الزنى. وقد سمّى خطية «الزنى» على أنها السرقة الكبرى على الأرض، لأنها تجعل الإنسان يتخلّى عن جسده الذي له، ويسيء أيضًا استخدام جسدٌ آخر ليس له، وإنما لله». وفي بعض الأوقات شبّه الزواج بمهمة الحكومات في الدول، فإذا كان من مهام الدولة تقييد طمع الناس وشرورهم، فكذلك أيضًا الزواج، فإنَّه يقيّد شهوات الإنسان الجنسيّة، ويسددها ويُشبعها في الزواج.
وعلى الرغم من ضعف الجسد، اعتقد لوثر أنَّ الزواج هو الحالة الأكثر نبلاً التي أوصى بها الله للبشر. وفي تفسيره لرسالة الرسول بولس إلى كنيسة غلاطية عام 1535، كتب لوثر قائلاً: «الزواج هو جزء من خطة الله الطبيعية للإنسان. إن كل ما في الطبيعة، من: حيوانات ونبات وإنسان، إنما هم ذكور وإناث، يتزاوجون بطبيعتهم من أجل استمرار الخليقة. كما أضاف، «يجب ألا يكون الزواج عائقًا أمام أحدٌ ليصبح كاهنًا أو أسقفًا. فيسوع دعا أناسًا متزوجين لخدمته، ورسل الكنيسة الأولى كان معظمهم متزوجين. وبالتالي، فالزواج ليس مخالفًا لدعوة الله لخدمته. كان همّ لوثر الأساسي، ليس أن يعيش الناس حياة عزوبية، لكن حياة سعيدة في نقاء أمام الله. آمن، أن الإيمان بالمسيح، يخدم الزواج بشكل رائع من خلال عيش الزوجين حياة وفاء وأمانة مع بعضهما البعض. وعقيدة الغفران والمسامحة، هي الأكثر أهمية لكل علاقة بين الزوجين، والعلاقة مع الآخرين.