القيامة والصعودقضايا وملفاتملفات دينية

ظهور المسيح المُقام لسبعة تلاميذ على شاطئ بحر الجليل

الهدى 1232                                                                                                                               يونيو 2021

عند قراءتنا للإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا، ندرك أنَّه بعد موت وقيامة المسيح، رجع التلاميذ إلى عائلاتهم وأشغالهم السابقة، واستأنفوا حياتهم العادية التي انقطعوا عنها لمدة ثلاث سنوات، حين صرفوها مع المسيح. كانت معظم أعمالهم في صيد السمك. وفي يوم من الأيام، أثناء فترة الأربعين يومًا من ظهورات المسيح بعد قيامته، كان سبعة تلاميذ، متواجدين على شاطئ بحر الجليل أو كما يسمى بحر طبرية، وهم: سمعان بطرس، نثنائيل، توما، ابنا زبدي، وتلميذان آخران:
قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ». قَالُوا لَهُ: «نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضاً مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ»، وبالرغم من أنهم كانوا صيّادين محترفين، إلاّ أنهم صرفوا الليل كلّه في الصيد، ولم يصطادوا شيئًا. وعندما عادوا إلى الشاطئ، رأوا رجلاً غريبًا، لم يعرفوا أنه يسوع القائم من الموت. فقال لهم، يا غلمان، هل لديكم سمكًا؟، فأجاب الجميع بصوت واحد، «لا». الأمر الذي يشير إلى مدى إحباطهم كونهم صرفوا الليل كلّه دون جدوى. عندها، قال لهم: ارجعوا إلى البحر، وأشار لهم إلى المكان الذي عليهم أن يلقوا الشبكة فيه والذي يبعد فقط اثني عشر ذراعًا عن الشاطئ، قائلاً لهم: «أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا». ومن المستغرب أنهم سمعوا لكلام المسيح، بالرغم من عدم معرفتهم إيّاه. فرموا الشباك، كما قال لهم. ولدهشتهم الكبيرة، التقطت شباكهم كميّة كبيرة من السمك، مئة وثلاثة وخمسين سمكة. عانوا صعوبة كبيرة في جذب الشباك إلى السفينة. عندها، عرفه التلميذ الذي كان الأقرب إلى قلبه أي يوحنا. فقال لبطرس: «هُوَ الرَّبُّ». وهذه إشارة إلى أن المؤمنين الأقرب روحيًا وعلاقاتيًا إلى المسيح، يستطيعون أن يعرفوه أكثر من البعيدين عنه. لكن بالرغم من أن يوحنا، كان الأول الذي عرفه، لكن بطرس، كان الأول الذي أسرع إليه، إذ لم يستطع الانتظار حتى يرجع باقي التلاميذ بالسفينة إلى الشاطئ، لكنّه قفز في البحر، وسبح باتجاه المسيح ليصل إليه قبل الباقين. وعندما وصل التلاميذ وجدوا أن يسوعهم المُقام كان يحضر لهم غداء، إذ كان يضع السمك على الجمر ليشويه. ثم قال لهم: ««هَلُمُّوا تَغَدَّوْا» … وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّمَكَ.» (يوحنا21: 1-13).
إن معجزة صيد السمك الكثير، التي حدثت بعد قيامة المسيح، ربّما ذكّرت التلاميذ، لا سيّما سمعان بطرس، بمعجزة مشابهة حصلت معهم قبل القيامة. يذكر البشير لوقا (5: 1-12)، أنه بعد أن صرف التلاميذ الليل كلّه في صيد السمك ولم يلتقطوا شيئًا، قال له المسيح: «ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». فَأَجَابَ سِمْعَانُ: «يَا مُعَلِّمُ قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلَكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ». وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ.» (لوقا 5: 4-6). وفي نهاية المعجزة، قال يسوع لسمعان بطرس، « «لاَ تَخَفْ! مِنَ الآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ النَّاسَ!».. تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ.» (لوقا 5: 11).
وجد مفسرون، أن قصة ظهور المسيح المقام هذه، لتلاميذه السبعة، تقدم لنا مجموعة من الدروس الروحية، منها:
أولًا، أن الهدف الأساسي من وراء ظهور المسيح لتلاميذه، هو إعادة دعوتهم لتحقيق الهدف الأساسي الذي دعاهم من أجله. ألا وهو أن يكونوا صيادّي الناس بسنارة كلمة الإنجيل.
ثانيًا، إتّباع المسيح، يعني أن نضع شباكنا ثانية في البحر، بالرغم من كوننا متعبين وقد بذلنا جهودًا كبيرة للصيد ومع أننا لم نفلح. فاتباع المسيح يملأ حياتنا وشباكنا الفارغة.
ثالثًا، الاصغاء لكلمات وتعاليم المسيح المُقام، يغيّر كامل حياتنا وظروفنا، فإنّ أسوأ ليالي التلاميذ إنتاجية، قد تحوّل إلى أفضل الليالي، لأنهم أصغوا إلى كلامه، وأطاعوه.
رابعًا، عندما يدعونا المسيح لنكون تلاميذه، فإنّه يخدمنا قبل أن نخدمه. في البداية، أطعمهم من السمك الذي أعدّه لهم، ثم طلب منهم أن يشاركوا بعضهم البعض من السمك الذي اصطادوه، كيما يشبع الجميع.
خامسًا، عندما سأل المسيح التلاميذ قائلاً، «هل عندكم إدامًا (سمكًا)؟ لم تكن الغاية من سؤاله معرفة نتيجة جهودهم وصيدهم، وإنما كانت الغاية، أن يجعلهم يدركون بأنفسهم، عدم كفايتهم للنجاح بالاعتماد فقط على جهودهم، بل حاجتهم الضرورية، لعمل المسيح فيهم ومعهم. إن سرّ النجاح، يكمن في العمل بناء على توجيهات المسيح. لاحظ المفسّر، أندرياس كاستمبرغر، شيئًا مشتركًا في كل الأناجيل، هو أن التلاميذ لم يمسكوا سمكة واحدة دون مساعدة ومعونة الرب لهم، وذلك كيما يؤكّد لهم، أنكم «بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا 15: 5).
إن دعوة يسوع تلاميذه للغذاء معه عندما قال لهم، «هلمّوا تغدّوا»، تذكّرنا بدعوة المسيح للعشاء أعضاء كنيسة اللاودكية الفاترة، عندما قال لهم، «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا يوحنا 3: 20)، كيما يختبروا من جديد حضوره معهم والشركة برفقته وغفرانه ونعمته، فيتشجّعوا ثانية بقوة الروح القدس، ليعودوا تلاميذ أوفياء بإيمانهم للمسيح القائم من الموت، مدى الحياة. آمين.

القس سهيل سعود

* لبناني الجنسيّة، وهو راع للكنيسة الانجيلية المشيخية الوطنية في بيروت،
* مسؤول رعوي لكنيستيّ الجميلية ومجدلونا المشيخيّة في الشوف.
* حاز على شهادتي: البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، والدبلوم في التعليم من جامعة هايكازيان في بيروت عام 1986. وشهادة الماجستير في العلوم الإلهيّة من كليّة اللاهوت الانجيليةّ في الشرق الأدنى عام 1989.
* تولى العديد من المناصب فس سينودس سوريا ولبنان،
* كاتب لأكثر من ستة عشر كتابًا يدور معظمها عن تاريخ الإصلاح الإنجيلي،
* كاتب صحفي في جريدة النهار اللبنانيّة. والعديد من المجلات المسيحيّة الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى