كلمات وكلمات .. مارس وأبريل 2023
الكاتب: د. القس إكرام لمعي الهدى 1248 مارس وأبريل 2023
ونحن نحاول أن ندرك معنى الأحداث التي تقع عبر الزمن وذلك من خلال تتبعنا للتاريخ علمنا وتّعلمنا أن العالم لن يعود كما كان من قبل، فهناك أربعة أحداث غيرت العالم في السنوات القليلة الأخيرة، حيث خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، واندلعت الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحرك العملاق الصيني بقوته العسكرية والاستراتيجية، وأخيراً عودة اليمين المتطرف للحكم في اسرائيل (عودة نيتنياهو).
وهكذا لعلك تدرك عزيزي القارئ إننا نسير على رمال متحركة، ولا ندري إلى أين المصير، ذلك مع الأخذ في الحسبان الموقف الاقتصادي المصري الحرج، من هنا لابد أن نعمل على أن تبقى لدينا خطوط اتصال لا تنقطع، بل وأمل في تصحيح الأوضاع الاقتصادية بمصر. إذن العولمة كواقع ليس من السهل التنكر لها، والمشكلة الجّدية اليوم تكمن في أن العولمة باتت تشمل كل شيء، وذلك وفق شدة الحدث وارتباطه بحياة الناس، لذلك نتحدث بعولمة الأزمة بمعنى أن نشوب حرب ما في بقعة ما من العالم، فإنَّ تداعيات تلك الحرب سوف تمس كل بقاع العالم وأرجائه، وهكذا نجد التأكيد على فكرة أن «العالم قرية صغيرة» تتأكد من ناحيتين، الأولى البُعد الإعلامي للحدث وكيفية انتشاره، والثانية في تداعي الأزمات باعتبار أن وسائل الاتصال والتواصل والتنقل، تجعل من الأزمة معلومة منتشرة على أوسع نطاق، ولقد اكتشفنا ذلك بوضوح في أزمة «كوفيد 19»، ورأينا كيف انتشرت الجائحة وعمّت العالم كله في بضعة أيام، وهو أمر ما كان ليكون، بل كان سيستغرق سنوات لولا وسائل النقل والتواصل بين البلدان من انفتاح وحركة نقل متعددة الوسائل والامكانات.
من هنا كان لابد لنا أن ننبه الكنيسة على أن تتبنى استراتيجية نستطيع من خلالها الوصول إلى العالم المحيط في أي لحظة تحتاج إلى ذلك، ذلك المحيط الذي يتمتع بالعولمة من خلال استخدام الوسائل الحديثة والسريعة في نقل وجهة نظرها في الأزمات التي يمر بها العالم وخاصة الأزمات المصيرية، والتي تعيش الكنيسة في اطارها، وهكذا يلزم الكنيسة أن تتفاعل ـ أرادت أو لم ترد ـ مع الأزمات على الأرض سواء كانت تلك الأزمات اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو أخلاقية … الخ)، وأن يكون خطابها دعوة لتقديم الحلول لهذه الاتجاهات من وجهة نظرها ككنيسة مُصلحة مُثقفه تضع قدميها في عمق المجتمع المصري ولأنها تتميز بفكر لاهوتي عميق وعملي يُعالج من خلاله الوضع السياسي والاجتماعي، مقدمة اقتراحاتها في معظم إن لم يكن في كل الأزمات المطروحة، الفكرية والثقافية والاقتصادية بل والعلاقات الخارجية والداخلية… الخ.
خبرة رعويَّة
قرأت كثيراً في علم الرعاية سواء في كلية اللاهوت الإنجيلية في عام 1967 ـ 1971م أو بعد تخرجي وممارستي للرعاية في القرية المصرية للعشر سنوات الأولى بعد تخرجي، وقد كنت سعيداً كأول راعٍ للكنيسة التي رُسمت فيها ولم تكن لي خبرة مسبقه بالطبع وأيضاً الكنيسة لم تَختبر وجود راعٍ مقيم بها، لذلك بدأنا معاً الراعي وشعب الكنيسة نتعلم الرعاية من بعضنا البعض، ولقد اكتشفنا مع الوقت أن هذه البداية كانت الأفضل على الإطلاق، لأن الراعي تعلم من خلال علاقته مع كنيسة كان أول راعٍ لها، وهكذا تعلمنا من بعضنا البعض، ونمونا مع بعضنا البعض، وكان هذا جميلاً جداً دون أن نقصد، وسببه أن الكنيسة لم تتعود من قبل على وجود راعٍ يُقيم ليل نهار بها بل لعدة سنوات، وبالطبع كان الراعي لم يكن صاحب خلفية رعويه بل كانت أول تجاربه الرعوية معهم، كطفل يتعلم السير والكلام كلغة الراعي ورعاية الرعية وهم كذلك كلغة الكنيسة الرعوية، لكنهم اختبروها لأول مرة معي. وهكذا يمكننا القول إننا تعلمنا (في بعضنا البعض)، بالطبع كانت هناك مواقف لم تكن هي الأفضل سواء من نحوهم والعكس صحيح، لكن لأننا كنا نتعلم معاً لذلك كانت المساحة للغفران والقبول والتعليم والتعلم متاحة فعلاً، وهكذا نجحنا معاً (الراعي والرعية)، وقد خرجنا بخبرة رعويه وكنسية وتعليمية لا بأس بها، وكنا سعداء جداً معاً، فقد تعلمنا الكثير ولذلك مازالت الذكريات معهم والعلاقة قائمة والاحترام متبادل.
حكاية لاهوتية
قرأت هذه الأيام كتابًا عنوانه دعوة إلى الاستشراف» وهو كتاب مترجم عن اللغة الفرنسية وقد صدر من المركز الوطني للترجمة في تونس، وهو يتناول «الاستشراف» والذي بمعناه ووصفه أداة من جملة الأدوات التي تتطلع إليها المجتمعات الحديثة لبناء مستقبلها، ومنذ البدء يسارع الكاتب إلى القول أن الاستشراف ليس توقعاً أو تنبؤاً، وليس من شأنه أن يتكهن بالمستقبل كما لو كان شيئاً جاهزًا، ولكن مهمته أن يعيننا على بنائه، فهو يدعونا إلى اعتبار المستقبل أمراً علينا تأسيسه وتشيده، وهذا يعني أن الإستشراف هو العودة إلى الفلسفات التقليدية التي تعتبر الإنسان كائناً محكوماً عليه سلفاً بأن يكون متفرجاً على مستقبل مُتسّلط عليه، ولا قُدرة له على توجيهه أو التحكم فيه، وهو في الوقت نفسه انتصار للفلسفات الحديثة التي تَعتبَر الفرد مسؤولًا وحراً في أن يتوسل بفكرة الخلاق لابتكار الآتي على غير مثالٍ سابق، والمستقبل، ضمن هذه الفلسفات الحديثة غير محدد، بل إنه مفتوح على احتمالات كثيرة، فعزيمة الإنسان إزاء الماضي لا جدوى من ورائها وحريته غائبة وسلطته منعدمه.. فالماضي إنما هو مجال الأحداث التي لا سلطان لنا عليها، وهو في الوقت نفسه مجال الأحداث المعروفة لنا، أما المستقبل فهو بالنسبة لنا هو مجال للغزو والحرية والإرادة.
في هذا السياق يذكر الكاتب: أن الإنسان الغربي الحديث قد نشأ على «عبادة العلم، لأنه يُقدم الثوابت والقوانين التي لا تتغير أكثر من عبادة الخطر والمجازفة والحرية، والمستقبل بوصفه أفقاً ملتبساً، غير مُحدد يُمثل بالنسبة للإنسان فضاءً واسعاً للحرية.
لكن ماهي المنهجية التي ينبغي أن يلتزم بها العامل في حقل الاستشراف؟
يشير الكاتب إلى أن «المرصد» هو أساس كل كيان استشرافي، ويتمثل هذا المرصد في اكتشاف العلاقة الصغيرة بحجمها الراهن، الكبيرة بنتائجها المفترضة التي تشير إلى تحول تقّنى أو اقتصادي أو اجتماعي، غير أن الكاتب سُرعان ما يُنبهنا إلى أن نظرتنا إلى الواقع هي في أكثر الأحيان، نظرة ضالة مضلله، فقد تعودنا على أن نرى من الأشياء «ما يُريحنا» ولا نرى منها «ما يزعجنا» ثم أن هناك عوامل عديده توجه رؤيتنا إلى الواقع من أهمها إرثنا الثقافي، والنظريات التي آمنا بها والأيديولوجيات التي اعتقدناها… وهذه العوامل غالباً ما تتغاضى عن الواقع بل تتحول إلى خطة من خطط صرف الأنظار عنه.
مختارات
أنت حرٌ حين تُطالعك شمس يومك.
وأنت حرٌ حين لا شمس ولا قمر ولا نجوم.
بل أنت حرٌ حين تُغمض عينك عن كل ما هو موجود.
لكنك عبدٌ لمن أحببته، لأنك تُحبه.
وعبدٌ لمن أحبك لأنه يُحبك.
جبران خليل جبران