أسرة

الأبناء واختيارات الحياة

الهدى 1207                                                                                                                                 مارس 2019

يتميز عالم اليوم بالتغيرات السريعة والتقدم المذهل في أساليب التواصل، وبالتالي تأثرت العلاقات بين الآباء والأبناء.. فمع إحساس البعض بصعوبة ملاحقة هذه التغيرات بسبب تعقيدها أحيانًا، أو لضيق الوقت أحيانًا أخرى، انسحبوا بهدوء من الساحة، وتركوا أبناءهم يصارعون بمفردهم في عالم مملوء بالاتجاهات الفكرية التي قد لا تتفق مع قيم الوالدين الدينية والأخلاقية.
والنتيجة اختيارات خاطئة، وفجوة ظاهرة بين جيلين يتهم كل منهما الآخر بأنه لا يفهم!
كوالدين تربينا وتعلمنا وكبرنا في ظل مجتمع ينتمي فكريًا إلى القرن الماضي. نعم، هذا يجعل الكثيرين منا لا يستطيعون استخدام كل أو بعض إمكانات الكمبيوتر، وإذا استطعنا، فإن ما يستجد من تطبيقات يكون عادة أسرع مما تسمح به قدراتنا أو اهتماماتنا الأخرى بأن نتعلمه. لكن مع كل هذه التغيرات الهائلة والسريعة بقي شيء واحد لم يتغير بكل تأكيد، وهو أن الوالدين هم أول وأهم مَن يؤثر في حياة الأبناء في مراحل نموهم العمرية المختلفة.. وما يمكن أن يقدمه كل أب وأم من تعاليم وقيم داخل الأسرة، خاصة وإن كانت تترجم عمليًا في نموذج حياتهما، له قوة تأثير غير محدودة على صياغة الشخصية وتطوير الاتجاهات الفكرية للأبناء. فليس مثل الحوارات الأبوية يمكن أن يفجر الطاقات والمواهب الكامنة، وليست هناك قوة تماثل في تأثيرها على إعداد الأبناء للمستقبل مثل قوة الحب والقبول غير المشروطين لكل ابن وابنة.
إذا استطعنا أن نراقب مقدار سعادة أو بؤس الأزواج الذين يعيشون من حولنا سنرى أن معظمها يستمد جذوره من البيئة الأسرية التي نشأ فيها الأشخاص، بغض النظر عن الظروف المعيشية لكل منهم. فالأبناء ليسوا بحاجة إلى أب خبير في «الإنترنت»، أو إلى أم تتواصل معهم من خلال «الفيسبوك» -مع أن معرفة وإجادة مثل هذه المهارات، إن أمكن، يكون مفيدًا وممتعًا بشكل إجمالي.. إلا أن الأبناء يحتاجون إلى والديهم أكثر من أي شخص أو شيء آخر كي يتعلموا منهما مهارات التفكير، وحكمة الاختيار. ولعل التدريب على مثل هذه المهارات يبدأ في سنوات العمر الأولى. فالأبناء يحصلون على المعرفة من مصادر مختلفة، سواء من وسائل الإعلام، أو المدرسة، ومن خلال التواجد مع الأصدقاء. هنا يأتي أحد أهم مسؤوليات الوالدين في إعدادهم للحياة، من خلال تدريبهم على مهارة الربط بين المعرفة ومتطلبات الحياة، وتحدي اختبار سلوك شخصي ما، والامتناع عن آخر طبقًا للمقاييس الإيمانية والاجتماعية التي يعتقد بها الوالدان.
الأبناء يكبرون أسرع مما نظن، ومرارًا سيجدون أنفسهم على مفترق طرق عنده لابد من اتخاذ قرار لاختيار ما للحياة. بعض هذه القرارات لها تأثير قصير المدى، وتتعلق بظروف أو نشاط مؤقت، أو ببدائل غير متناقضة؛ لكن بعضها مصيري، مثل اختيار شريك الحياة، ويؤثر على الحياة بالكامل.. فإما أن يأخذ الشخص في طريق يذهب به إلى قصة عمر ملؤها الشبع والازدهار، أو إلى أحد أشد ساحات معارك الحياة شراسة! وإذا كان الأمر يمثل هذه الخطورة، فلننتهز الفرصة إذًا ونبادر بأن ندرب أولادنا في كل يوم ومن خلال كل موقف كيف يفكرون مقدمًا في الأمور.. كيف يتوقعون المشاكل ويفكرون في الحلول، وكيف يتعرفون على الفرص ويفاضلون بينها بتقييم المعطيات الإيجابية والمحاذير البديهية.. كل هذه التدريبات، سواء المخطط لها أو تلك التي تأتي عفويًا، من شأنها أن تدعم ثقتهم بأنفسهم، وتنمي داخلهم الإحساس بالمسؤولية تجاه اختياراتهم.
إذا كنا نريد أن نرى أبناءنا في أفضل مواقع الحياة، لنتبنَّ هذا التوجه التربوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى