كلمات وكلمات سبتمبر 2020
الهدى 1223 سبتمبر 2020
منذ أن انتشر فيروس كورونا في العالم كله، وقع صراع علمي قوي لكنه غير معلن، عن مَن تكون الدولة الأولى التي تحدد أصل «كورونا» واكتشاف السلاح المبيد لهذه الكاسحة. هل تكون أوروبا، أمريكا، أم الصين؟
أحد أبرز المتسابقين، فرنسا. الطبيب راؤول كان أول من أعلن عن علاج بدواء «الكلوروكسين» ولذلك قام الرئيس إيمانويل ماكرون بزيارته في مارسيليا مسقط رأسه، وشجعه بالقول: «هلم يا راؤول. أسرع. ولا تنسى أنك من بلد المخترع العظيم لويس باستور (1822 ـ 1895) ذلك العالم الذي قهر الجراثيم، خصوصًا غير المرئي منها. مثل الخبيثة «كورونا».
لقد أعطى باستور للعالم الإنساني الكثير، وطورت أبحاثه دروس المناعة. واخترع أول لقاح ضد داء الكلب. وقدم مخترعات عدة في حفظ الطعام. وعندما تقرأ على علبة اللبن أنه مبستر، فأصل الكلمة هو «باستور» وقد اكتشف باستور أن الجراثيم غير المرئية تنتقل في الهواء وتظهر فجاءة، ورأى أنه يمكن القضاء عليها عن طريق غلي الحليب والسوائل الأخرى إلى درجة حرارة معينة، ثم تبريدها فجأة، هذا ما يسمى بالبسترة في جميع اللغات. ومعه بدأ استخدام مضادات الالتهاب في العمليات الجراحية، واختراع أيضًا لقاحات تحمي الماشية والدجاج.
وبسبب ريادته، توصل علماء أخرون إلى اكتشاف لقاح ضد الجدري، وأوبئة أخرى، وقيل إن الإنسانية جمعاء مدينة له في تخفيف آلام البشر. وفي الخمسينيات وضع عالم المناعة الفرنسي جان دوسيه الوسائل المتقدمة لمعرفة كيف يحارب الجسم البشرى المرض. وفي عام 1953 اكتشف عالم بريطاني أصول الجينات D. N. A.
فكلما هاجم الإنسانية وباء قاتل يتذكر الناس أبطال الطب والعلوم الذين أسسوا للتقدم والتطور الذي نحن فيه، وكلما مضت الايام بنا والقراءات والمتابعات، يتبين لنا أن أهم مرحلة في الطب هي التشخيص. لاحظ ما نقوله في مصر والعالم الثالث عن أطباءنا المحترفين الذين يعتمدون على ذكائهم وحرفيتهم «لقد عرف ما أشكو منه حتى قبل أن يضع السماعة على أذنيه» هذا حسن حظ بالطبع، لكن هناك سيدة أمريكية دخلت سجلات الطب على أنها قامت بـ 548 زيارة إلى 226طبيبًا، 42 تلميذ طب وخرجت بـ 164 تشخيصًا مختلفًا.
لذلك الجهود الكبرى الآن تنصب على معرفة أصول «كورونا» من أجل محاصرته وتطويقه، فالبشرية في حاجة إلى لويس باستور آخر. ولا مانع إطلاقًا آلا يكون فرنسيًا، فقد تأكد في بلادنا أن المسألة أعقد من أن تُحل بالإكثار من تناول «الكفتة» كما اقترح أحد مخترعينا لعلاج الأمراض المستعصية وخاص فيروس C. أو هكذا كان وصفها قبل الكفتة، بعدها أصبحت تعرف «بالأمراض المعالجة بالكفتة»، بالطبع أصحاب الكباب يمتنعون.
خبرة رعوية
كنت قد وعدتكم بعد الخبرات الرعوية الكثيرة التي اجتزت فيها على مدى نصف قرن من الزمان، بين القرية والمدينة والعاصمة، بين الكنيسة والعمل الإداري والتدريس… الخ، أن أسرد لكم خبرات متكاملة في كل مكان أو موقع على حدى مثل خبرات الريف ثم خبرات المدينة ثم الخبرة الادارية… الخ وسأبدأ معكم اليوم من الريف، ذهبت للريف لسببين الأول إني ابن المدينة ولم يكن لي أي خبره بالريف فأول مرة أزور فيها بلده ريفية كانت وأنا ابن عشر سنوات عندما أخذني أبى وكنا نعيش في مدينة ملوى مركز المنيا إلى قريته مسقط رأسه النخيلة مركز أسيوط، والتي تحرك منها في أربعينيات القرن الماضي بسبب زواجه من والدتي وكانت من ملوى وذهبت معه للنخيلة لكن حدثت معه بعض المشاكل حيث كان قريبًا من الباشا في ذلك الوقت، وكان ذلك قبل ثورة الجيش بقيادة عبد الناصر عام 1952، وبسبب التجارة في الكيماوي الزراعي، وهو نوع من الأسمدة الزراعيّة التي توضع في الأرض الزراعية لمساعدة النباتات على النمو، وقد كان والدي شريكًا للباشا، وكانت تلك التجارة ممنوعه في ذلك الزمان؛ إلا أنَّ الباشا ضغط عليه لكي يحضر عربة قطار مملؤة بالكيماوي هو وشخصان آخران، ووعد بحمايتهم فقبض عليهم وبالطبع الباشا تخلى عنهم بعد أن وعدهم أنه سيكون معهم، وكانت قضية.
كان والدي والآخرون يذهبون لحضور الجلسات ويرجعون، لكن بعد حوالي سنة حكمت المحكمة بالبراءة لهم جميعًا، ثم رفع خطر بيع الكيماوى، كان ذلك في نهاية الأربعينيات، كان والدي لديه ثلاث بنات ثم حملت الأم وفي اليوم الذي وُلدت فيه في أكتوبر 1948، حُكم ببراءة والدي، كانت الكنيسة تصلى بلجاجة لأجل أبي وأصحابه لأنهم يعرفون انه لا ذنب له في هذا الأمر، وكان هو أحد قادة الكنيسة لكنه لم يكن قد رسم شيخًا بعد، وجاءت نتيجة الصلاة بالبراءة وولادتي في ذات الأسبوع، فأقيمت الأفراح والليالي الملاح.
المهم أن الأسرة عندما كانت في الأزمة نذرت نذرًا أن المولود القادم لو كان ذكرًا فليكن خادمًا للرب، وهكذا أتيت إلى العالم في هذا الجو المشحون، براءة أبي وقراره التحرك والاستقرار بملوي والذي لم يكن لي يد فيهما وهذا موضوع آخر له حديثه في وقته.
حكاية لاهوتية
كان أستاذ علم الرعاية يتحدث في محاضرته عن ما يدعى «ثبات الوعى» أو الوعى الثابت والدائم عند الراعي. أو الثبات الانفعالي.
سأل طالب: ماذا تعني يا دكتور بالثبات الانفعالي؟
أجاب الأستاذ: أن تكون دائمًا واعيًا بما حولك، وقادر على الثبات العاطفي أو الانفعالي بمعنى أن لا نهتز أمام خبر مفزع أو مفرح لا تفقد ثباتك.
قال طالب آخر: أحيانًا نفقد ثباتنا واتزاننا عندما يهاجمنا شخص نحن لا نتوقع هجومه، أو خيانته لصداقتنا.
قال الأستاذ: أيضًا هذه المفاجأت تحتاج ثباتًا انفعاليًا فالقائد المفروض ألا ينفعل ولا يهتز.
قال ثالث: إذن كيف نتعلّم أو نتدرب على الثبات الانفعالي.
قال الأستاذ: بالطبع لا نستطيع هنا أن ندربك على مثل هذه الأمور لأنها تختلف من شخص لآخر، لكن يمكننا أن نستعيد هذه المناهج من الفلسفة البوذية وهم أكثر الناس لديهم ثباتًا انفعاليًا.
أحكي لكم كيف يدرب الكاهن البوذي تلاميذه في البوذية لكي يصبح الطالب قادرًا على التدريس لآخرين ويكون لديه ثباتًا انفعاليًا عليه أن يتتلمذ على يد راهب أستاذ لمدة عشر سنوات
وهناك قصة مشهورة لديهم بعنوان قصه «تينو» وهي قصة واقعية إذ أنهى تينو العشر سنوات دراسة كفترة تدريب وأصبح راهبًا معلمًا، في إحدى الأيام قرر تينو أن يزور استاذه معلمة وكان اليوم ممطراً لذلك كان يلبس في قدمه قبقابًا ويمسك شمسيه بيده، وعندما دخل إلى بيت أستاذه في الطابق الأرضي كان لابد وأن يمر في الساحة الخارجية التي تؤدى إلى الباب الداخلي.
وبمجرد أن حيا أستاذه سأله سيده هل تركت القبقاب والشمسية في الساحة الخارجية؟ قال نعم سيدي سأله ثانية هل وضعت الشمسية في الجانب الأيمن للمدخل أم الأيسر وقف تينو متردداً.
ـ سأل الاستاذ تلاميذه وهو يجمع حاجياته، تُرى ماذا فعل أستاذ الرعاية بهذا الخريج؟
قال طالب: أكيد أنبه.
قال آخر: هل ضربه على يده؟
قال ثالث: هل أمره أن يعود ليرى أين وضع الشمسية ثم يأتي ليقول ماذا فعل؟
قال رابع: هل طلب منه أن يعيد كورس الرعاية.
هنا كان الأستاذ وصل عند الباب
التفت إليهم قائلاً.
قال الأستاذ عليك يا ولدى أن تتدرب عشر سنوات أخرى لأنه بدون الثبات الانفعالي والوعي الثابت، لا يصلح الإنسان أن يكون قائدًا ليوم واحد.
مختارات
«أحد أسباب غياب الرؤيا الفكرية العميقة عند الإنسان وأهمها، هي غياب العقل النقدي الذي يتمكن من رؤية الواقع الصعب والمعقد في خطوطه وتشابكاته»
راسم المدهون