رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات نوفمبر 2021

الهدى 1237                                                                                                                               نوفمبر 2021

بدأت الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر عام 1854م، وقد حافظ قادتها وشعبها على نظامها الديمقراطي الفريد من نوعه بين الكنائس السابقة لها واللاحقة عليها، وبلا شك أن النظام الديمقراطي بقدر ما كان يتجاوب مع ثقافة وحضارة الولايات المتحدة الأمريكية والتي بنت نظامها السياسي على الديمقراطية، بقدر ما جاء النظام المشيخي متماشيًا مع السياسة العامة بأمريكا، لكن ويا للعجب أن الكنيسة المشيخية بنظامها الديمقراطي نجح في مصر في وسط أنظمة الكنائس الأخرى التي سبقتها والتي ترفض الديمقراطية ككنائس تقليدية حيث أن نظامهما في الأساس أبويًا، ثم جاءت كنائس مصلحة أخرى إلى مصر لكنها لم تتبنى النظام الديمقراطي المشيخي كاملًا مثل نظام كنيسة نهضة القداسة والمثال المسيحي والكنيسة الأسقفية والكنيسة الرسولية وكنيسة الأخوة… إلخ، وقد نجحت بعض من هذه الكنائس نجاحًا ملحوظًا مثل الكنيسة الرسولية وكنيسة الأخوة… إلخ، أما تجربة الكنيسة المشيخية التي نحن نتاجها ونحن بصددها فقد نجحنا في الحفاظ على النظام الديمقراطي، وبالفعل أعطى هذا النظام فرصة للمشاركة الشعبية في الحكم بنص دستور الكنيسة على أن رئيس السنودس ورئيس المجمع مدتهما عامًا واحدًا، وعملهما ليس رئاسيًا لكن ديمقراطيًا أي أن الرئيس يدير الجلسة الإدارية التي يُتخذ فيها القرارات من خلال التصويت، وفى عام ١٩٩٠م كانت هناك محاولة لتعضيد الديمقراطية بإنشاء مجالس متخصصة كل في مجاله، وهذا أدى إلى تطور ملحوظ بسبب التخصص في الانتشار من خلال مجلس العمل الرعوى والكرازي، ومجلس الخدمات والتنمية وتواجد الكنيسة في المجال العام مع مجلس الإعلام وتوالت المجالس مجلس القسوس ومجلس المدارس والمجلس الطبي… إلخ.
لكن بعد ثلاثين عامًا بدأ البعض يقترح تغييرًا جديدًا في النظام الإداري، ولنا هنا وقفة، تغيير النظام الأول جاء بعد مرور ما يقرب من ٩٠ عامًا أي قرن من الزمان، والآن نطالب بتغيير بعد تغيير ١٩٩٠ بثلاثين عام، وبالطبع فإن الثلاثين عامًا في عمر المؤسسات لا شيء، لأن المؤسسات تقوم على الاستقرار للنجاح، إن اهتزاز النظام الإداري لأى مؤسسة يعنى بداية انقراضها، بالطبع من المهم أن نقف ونقَّيم نقاط القوة ونتمسك بها ونقاط الضعف نقويها بطريقة أو أخرى، لأن الاستقرار للأنظمة أهم بكثير وله الأولوية الأولى على كل اقتراح جديد، لقد سبقتنا كنائس من التي تأسست بعدنا، بعد أن كنا الكنيسة الأولى وكانوا يسيرون في خطانا ويأخذوننا كنموذج، لاشك أن سبب الثورة والاقتراحات هي قلق القاعدة من إشاعات عن فساد في القمة، وديكتاتورية في الحكم والكثير من القيادات الصالحة والنافعة جنبت نفسها، لكن ليس الحل هو تحطيم نظام قائم وبداية نظام جديد، من الأسهل جدًا أن نضع الأهداف التي نريد تحقيقها، وأن نضع خططًا لتحقيق هذه الأهداف وأن نكلف الأنظمة القائمة على تحقيقها على الأرض مع متابعة جادة لهذه الخطة وتقييمها… إلخ. لا شك أن استمرار نظام قائم من عام ١٨٥٤، يُعطى هيبة للكنيسة وأن ضرب النظام وتعديله كل عدة سنوات يفقد الكنيسة هيبتها وكرامتها، خاصة ونحن نعيش في مجتمع شرقي يعبد الاستقرار ويشعر بالأمان في ظله. أنظروا إلى هيبة كنيسة الأخوة واتخاذ قرار بالفصل لخادم من أشهر خدامها في مصر والعالم العربي دون تردد، لم يحسبوا نفقة خسارتهم معه وكان الاتهام أنه حطم مادة من دستور الكنيسة وتفسيره القانوني طبقًا للاهوت كنيسة الأخوة. أنظروا إلى هيبة الكنيسة الرسولية وامتدادها حتى الخليج… إلخ هذا فضلًا عن النموذج الكاثوليكي والأرثوذكسي.
كتب د. القس فايز فارس بحثًا عن مصير الكنيسة المشيخية ونظامها وتنبأ أنها ستنتهي إلى كنائس منفصلة مستقلة، وهذا البحث موجود ويمكن قراءته فقط عندما يسمح تلميذه الذي ائتمنه عليه بذلك لفائدة الكنيسة العامة.
خبرة رعوية
ذَكرت في الخبرة الرعوية السابقة أنني تعلمت علم المشورة بالممارسة بالتصدي لمشكلات أعضاء الكنيسة في القرية التي عُينت فيها بعد تخرجي مباشرة من كلية اللاهوت، ولأنى أول راعٍ لها لم تكن هناك مقارنات بيني وبين السابقين كما هي العادة في الكنائس التي يتوافد إليها رعاة لعشرات السنين، وهذا ما جعلني أصحح نفسى كلما دعا الأمر لذلك، عندما انتقلت إلى المركز التابع له كنيستي كان الوضع مختلفًا ولحسن حظى أيضًا كانت البلدة مركزًا نصف ريفي، لكن القائمين على الكنيسة كانوا من المتعلمين وخاصة المدرسين وأيضًا من حسن حظى أنه كان هناك مدرسًا للغة الإنجليزية يتقن العربية ويتقن كذلك الموسيقى خاصة ترانيم نظم المزامير، وكان يعلم الشباب الترانيم، وكان يُعتبر هو قائد مجموعة القيادات الذين أخترتهم ليكونوا شيوخًا وشمامسة، ولقد تعلمت الكثير منه، من أهمها الوعظ بلغة عربية سليمة، الحوار حول ما قدمت، فقد كانوا يسألونني دائمًا عن المعلومات التي أذكرها في عظاتي، وكانت أسرة الشيخ المثقف معظمهم يتقنون العزف على الآلات الموسيقية هذا فضلًا عن موهبة الترنيم عند الزوجة والأولاد، لقد كانت أسرة إنجيلية مشيخية حقيقية بل ونموذجية أيضًا وكانوا يحظون بكل احترام ليس فقط من أعضاء الكنيسة الإنجيلية لكن من أعضاء الكنائس الأخرى المصلحة أو غير الإنجيلية، ولهم احترامهم عند غير المسيحيين. ولقد استمرت علاقتي الحميمة بهذه الأسرة حتى يومنا هذا، وهذه أيضًا خبرة ليست بالعادية ربما كان السبب في شخصي فحتى اليوم علاقتي بعزبة أيوب مثلًا وبأحفاد من عاصرتهم وأنا شاب، فأنا صديق الأولاد والأحفاد خاصة وهناك عدد منهم صاروا رعاة مشيخيين.
حكاية لاهوتية
كان أستاذ اللاهوت يتحدث عن ما يسمى «فلسفة الأخلاق» وكانت المحاضرة عن الموقف الأخلاقي eithic situation وحاول الأستاذ أن يصل بتلاميذه إلى أن الموقف الأخلاقي يحتمل أكثر من إجابة، فلا توجد إجابة حاسمة، وأعطى عدة أمثلة، وقدم أكثر من نموذج، أحدا أن صاحب ثأر في الصعيد كان يعمل في شركة في المحافظة وكان قد قُتل أحد أقاربه وهو يريد الأخذ بالثأر من القاتل، وفى يوم ما دخل المتهم بالقتل إلى المؤسسة التي يعمل بها وبيده لفافة صغيرة وهو يركض ووضع هذه اللفافة أمام السكرتيرة، ومضى سريعًا، ومن خلفه جاء صاحب الثأر يركض وبيده مسدس ورأى اللفافة أمام السكرتيرة فسألها بحدة من وضع هذه اللفافة هنا؟! وهي كانت تعرف المشكلة التي بينهما فإن قالت فلان سوف يَقتله، وإن قالت لا أعرف أو اسم آخر كانت كاذبة. هذا الموقف يُطلق عليهeithic situation موقف أخلاقي، قال تلميذ عليها ألا تكذب وتترك النتائج لله، قال آخر بالعكس هكذا تكون سببًا في جريمة قتل كان يمكن تجنبها هذه خطيئة لا تُغفر. وحدث نوع من اللغط
قال الأستاذ عندما لم يستوعب التلاميذ الفكرة أحكى لكم قصة:
فتاة في إحدى القرى الصينية التي يحترف معظم سكانها الصيد أحست بالحمل (تحمل جنينًا في بطنها) وبعد أن ضربتها أمها كثيرًا لتعرف من هو الجاني اعترفت الفتاه باسم الأب، قائلة هو كاهن بوذا والتي كانت الفتاه تزور معبده، هنا قام والدا الفتاه ومعهم جمهور غفير من القرية ساروا بغضب في اتجاه الهيكل يريدون الراهب بهدف تأديبه بالضرب واتهامه بالهرطقة كرجل دين ويسألونه وإن كان أب الولد، عليه أن يعتذر عن ذلك ويعترف أنه أبوه. لكن كانت إجابة السيد الراهب رئيس الدير:
كويس جدًا… كويس جدًا.. وكررها كثيرًا very well … very well، ثم قام بحمل المولود من على الأرض واحتضنه، من هنا هدأت الجماهير وعادوا إلى بيوتهم وأعمالهم، وتم اتفاق مع المرأة أن تٌغذى الولد وترعاه وتلبسه الملابس المناسبة وتعتنى به على حساب الدير، وأن تتم تربيته في الدير، وهكذا مر عام ولم يلوم أحد الراهب البوذي.
بعد مرور عام اعترفت الفتاة أم الولد إنها كانت كاذبة وأن أب الولد هو شاب من الجيران.
هنا ذهبا والدا الفتاة والجيران إلى الراهب البوذي وسجدوا أمامه ليقبل اعتذارهم عما حدث ويطلبون منه إعطاءهم الولد، وهنا أعاد الكاهن الطفل لهم وكل ما قاله هو «كويس جدًا… كويس جدًا very well … very well».
قال الأستاذ وهو يجمع حاجياته ويحملها تحت إبطه هل ربطتم بين القصتين؟ البعض قال البعض فهمنا الهدف والبعض الآخر هتف لأ، هنا كان الأستاذ وصل خارج باب الفصل وهو يرفع يده تحية لهم.
مختارات
لا دين… ولا ملة…
لا وصلت.. ولا رجعت.. لا منير… ولا مظلم
الحق قام…والكره قام..
لا قمت تتكلم…ولا تستسلم.. فارقص
عبد الرحمن الأبنودى
الرقص على السلم
***********************
قال فيلسوف لكناس في الطريق: إني أرثى لك
عملك شاق وقذر. قال الكناس شكرا لك
يا سيدي. هات خبرني ما عملك؟… أجاب الفيلسوف:
إني أفحص عقل الإنسان، أفعاله رغباته… إلخ
عندها تولى الكناس بمكنسته وهو يقول باسمًا: إني لأرثي لك أنت الآخر
جبران خليل جبران

 

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى