كيف تكتب مقالًا؟
الهدى 1212 أغسطس 2019
بداية لا بد من تعريف المقصود بـ «المقال»، وقبل أن نعرفه يجب أن ننوه إلى أن كثير من العلوم الإنسانية ليس لها تعريف موحد مثل تعريف المقال أو تعريف الإعلام أو تعريف العلاقات العامة أو تعريف الصحيفة وغيرها، فكل باحث أو عالم أو كاتب يوضح مفهومها على طريقته.
إذًا ليس من تعريف موحد للمقال فالعلوم الإنسانية ليست رياضيات وهنا يتاح المجال الواسع للإبداع.
فالمقال من وجهة نظري هو فن صحفي إبداعي يوضح كاتبه من خلاله وجهة نظره بقضية معينة ويطرحها على القراء ويعرض مساوئها أو سلبياتها وذلك حسب نوعها ومن ثم يقوم بعرض أبعاد وتداعيات المشكلة على جميع المستويات ويقرب الحل إلى القارئ.
لذا الكاتب ليس مطالبًا بحل المشكلات بل عرضها وإعلام الجمهور بها وتقريب وجهة نظره للقراء محاولًا تكوين رأى عام سليم مع العلم أن أكثر ما يؤثر في الرأي العام هم الصفوة، والمقصود بالصفوة هنا هم الفئة المثقفة والمتعلمة في المجتمع. وحينما تكتب مقالًا وتقنع الأخرين بما تقول قد تصبح من صفوة المجتمع.
كيف تبدأ الكتابة؟؟
كما هو معروف لديكم أن أي مقال هو عبارة عن عرض ومناقشة قضية تشغل الشارع أو الرأي العام ومن هنا عليك اختيار موضوع المقال أو القضية التي سوف تطرحها على قرائك. وهذا ما يكون صعبًا على الكثيرين، ولكنه في غاية السهولة، وإليك بعضًا من الطرق التي تُسهِل عليك إيجاد موضوعًا للكتابة فيه.
1) حينما تكون ذاهبًا أو مغادرًا عملك أو جامعتك، أو وأنت راكب سيارة الأجرة تتفتح مواضيع كثيرة ويحتد النقاش بها، وكذلك عندما تكون في جلسات مع أصدقائك تتفتح مناقشات كثيرة ويشتد النقاش بينك وبين الأخرين حولها؛ تكون هذه بمثابة قضايا يمكنك الكتابة فيها وعنها. فمثلًا لو كان النقاش يدور حول قضية تأخر الرواتب قد تكون من الذين يستطيعون الصبر والثبات على هذه المحنة ويشتد النقاش بينك وبين صديقك الذي لم يعد يتحمل هذا الوضع. أنت تدافع عن وجهة نظرك وهو يدافع عن وجهة نظره.
من هنا تستطيع أن تبدأ في تكوين مقالك حول هذا الموضوع، وتكتب عن هذه القضية بأسلوب سلس وسهل يسهل فهمه من قِبل جميع القراء بجميع المستويات التعليمية والثقافية.
احذر أن تكتب عنوان المقال في البداية لأنك لو كتبت عنوانًا محددًا ستتقيد به وربما لو نسيت هذا العنوان وخرجت عن الموضوع قليلًا يصبح العنوان لا يتحدث إلا عن أول سطرين من المقال
ضع العنوان في ذهنك وابدأ بالمقال وكأنك تتحدث مع صديقك وتناقشه وتقنعه ولكن ليس بلغة الشوارع بل باللغة العربية التي يتداولها الأدباء والكتَّاب الصحفيين من قبلك.
2) كذلك يمكنك اختيار موضوع المقال من خلال متابعتك للأحداث على الساحة السياسية الفلسطينية أو العربية وتناقش الوضع من خلال مقالك أو تناقش قضية بعينها مثل قضية إغلاق المعابر مثلا كقضية.
عليك أن تكون ملمًا بالمعلومات الكافية لإقناع القارئ بما تقول وعلى سبيل المثال؛
كتبت أحد المقالات مؤخرًا حول موضوع الرسومات المسيئة للرسول وكان بعنوان انقلب السحر على الساحر وعلَّ بعضكم قد قرأه
عرضت في ذاك المقال معلومات جديدة تقول بأنَّ هناك أعدادًا من الأجانب الغربيين دخلوا الإسلام تعاطفًا ومنهم من بحث عن الإسلام ولما عرف سماحته دخله مسلمًا.
هنا معلومات جديدة ربما لم يقرأها أحد كيف حصلت على تلك المعلومات ؟؟؟ هنا مربط الفرس كما يقولون. من خلال متابعتك لمجريات الأحداث عبر وسائل الإعلام يمكنك التوصل إلى معلومات ومشكلات أكبر من ذلك وتربطها بمشكلات أخرى لتعرضها من خلال مقالك.
احذر التشويه والمساس بالآخرين سواء على الصعيد الشخصي أو العائلة أو الحزب أو دولة وغيرها.
ولكن بإمكانك الإشارة إليهم دون أن توضح وتعرض أسماء كاملة أي يجب احترام الحياة الخاصة فلا يجوز أن تتحدث عن عدد الأملاك والبيوت التي يملكها فلان حتى لا توقع نفسك في مشكلات أنت في غنى عنها.
قدِّم المعرفة والمتعة..
إنَّ الجمهور لا ينتظر من الكاتب أو الصحفي سوى المعرفة والمتعة في المعلومات والآراء. ومن المساوئ التي نلاحظها في صحافتنا هي الشح في تقديم المعرفة والتثقيف بسبب الاعتماد الكلي على الخبر والسرعة في تقديمه والسبق الصحفي لذا حاول تقديم المعرفة والمعلومات التي تستطيع من خلالها أن تعمم معلوماتك وثقافتك ومعرفتك على الأخرين.
ابحث عن الجديد…
إن البحث عن المعلومات الجديدة لا يعني إعادة صياغة ما يكتبه الأخرون بل يجب عليك أن تناقش قضايا لم تناقش من قبل أو تناقش قضايا شغلت الرأي العام ولكن من زاوية أخرى وبرؤيا جديدة محاولًا إيضاح أبعاد المشكلة على المدى البعيد أو إيضاح الايجابيات التي قد نستفيد منها من السلبيات مثلًا. وهذا ما حاولت تطبيقه في مقال: انقلب السحر على الساحر:
أنت تكتب عن المشاكل ولست مطالبًا بحلها..
بعض الكُتَّاب الصحفيين يعتقدون أنهم مطالبون بحل المشاكل اليومية. هذا الخطأ بعينه فالكاتب أو الصحفي ليس وزيرًا ولا غفيرًا ليحل المشاكل بل هو من يوصل تلك المشاكل للناس وللوزير والغفير وهذه هي المهمة الأساسية للكاتب أو الصحفي الحق.
اتجه نحو التحليل…
في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه هناك العديد من الوسائل التي تنافس المقال في إيصال الرسالة إلى الجمهور مثل القنوات التلفزيونية والإذاعات وغيرها.
أمام هذا الواقع تتضاءل فرصة كاتب المقال بالوصول إلى الجمهور لذا فإنَّ اللجوء إلى التحليل وعلى هذا الأساس يعتقد الباحثون في مجال الإعلام ويتوقعون ازدهار الصحافة. كل ذلك تلبية لحاجة القارئ الذي يريد معرفة خلفيات وتداعيات الخبر وتشعيباته بعد أن أصبح نشره سهلًا وميسورًا.
عليك تنظيم الكلام وعدم الاطالة في الكتابة إلا إذا كانت المعلومات دسمة وهنا يصبح المقال مقالًا طويلًا على عكس النوع الأخر وهو المقال القصير.
قوالب صياغة المقال
هناك طريقتان أساسيتان في الفن الصحفي وهي طريقة الهرم المقلوب والهرم المعتدل.
والهرم المعكوس يستخدم في تحرير الخبر. حيث تطرح في بدايته أهم المعلومات وفى وسطه تفاصيل أخرى وفى خاتمته معلومات إضافية حول الخبر.
وهذا لا يهم كاتب المقال لأنّ ما يهمه هو قالب الهرم المعتدل…
الذي تطرح في بدايته تمهيدًا للموضوع دون عرض أي معلومات حوله وهي المقدمة ويجب أن تكون المقدمة أجمل ما في المقال حتى تضمن استمرارية القراءة، ويمكنك إقناع القارئ بالاستمرارية من خلال استخدام التعابير الجميلة والمعبرة والقوية.
ومن ثم تبدأ بعرض التفاصيل والمعلومات المهمة من أجل التشويق وهذا ما يعرف بالجسم.
وبعد ذلك تقوم بتقديم أهم الحقائق التي تملكها وبإمكانك أن تحللها أيضًا وهذا ما يعرف ب الذروة.
أخيرًا عليك أن تُبدع في الخاتمة والتي من خلالها تقدم المواعظ أو النصائح وتجمل ما كتبت في أخر سطرين وتختمه بتعبير قوى وجميل.
بهذا تكون قد أمتعت قرائك بمعلوماتك وأسلوبك وقبل أن تختم حاول أن تطبق ما فهمته من المقال على هذا المقال أيضًا أي حاول أن تتعرف على طريقة الهرم المقلوب من خلال هذا المقال أي المقدمة والجسم والتفاصيل والخاتمة وبإمكانك قراءة مقالات أخرى وتحاول أن تحلل المقال وبذلك يسهل عليك كتابة أي مقال في مناسبات أخرى.
إن الإبداع ينتظر منك أن تكتب للجمهور ما وراء الخبر وما قبله وما في جوانبه فكن مبدعًا وصحفيًا له اسم يُحترم في الوسط الإعلامي وكلى فخرًا أن يقف أحد الطلاب ويناقش الدكتور مستندًا إلى معلومات وحقائق قد قدمتها في مقال سابق وهي: وراء الكواليس: لذلك أعلم أن الكثيرين سوف يوافقونك في رؤيتك للإحداث والكثيرون سيقفون وقفة احترام أمام معلوماتك الثمينة ووقتك الأثمن التي تقدمها إليهم.