الأقنعة الأربعة في مثل السامري الصالح
الهدى 1211 يوليو 2019
لا يزال مثل السامري الصالح يقدم لنا دروسًا ومبادئً وأفكارًا غنية جدًا وكلما اقتربنا منه بذهن خاضع للروح القدس الذي يرشد ويعلم من خلال الكلمة ويعطي بغني في كل مرة نقف بخشوع أمام كلمة الرب.
وفي هذا المثل نستطيع أن نُشخص حالة الكنيسة والمجتمع والفئات المختلفة التي يتكون منها هذا الخليط المتنوع والمختلف. وهنا نقف أمام خمسة أقنعة في الكنيسة والمجتمع وهم:
1) المجروحون: يقدم لنا المثل الإنسان الذي لا نعرف عنه إلا أنه كان مسافرًا من أورشليم إلى أريحا ووقع بين لصوص فأخذوا ثيابه وكل ما معه ويبدوا أنه حينما حاول المقاومة ضربوه وجرحوه وعندما أخذوا كل شيء وكف هو عن المقاومة بسبب الضرب الشديد الذي تعرض له مضوا وتركوه بين الحياة والموت وذهبوا ليتركوه ينزف حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة ويموت. وهذه الفئة موجودة في كنائسنا ومجتمعنا فهم فئة المجروحين سواء كانوا مغلوبين يعانون من ضعف روحي أو جسدي أو إساءات نفسية وجسدية أو من يعيشون في صراع مع مرض أو أزمة. وهناك المهمشون والمتعثرون أو المحتاجون والمظلومون لا شك أن هناك في وسطنا من يعاني، من ينزف من جروحه من هو متروك بين حي وميت.
قد تكون هذه الجروح بسبب أعداء أو أحباء أو ظروف أو أخطاء شخصية أو ظروف معاندة فتختلف الأسباب ولكن تبقى الجراح وتستمر المعاناة.
2) اللصوص: يقدم لنا المثل أيضًا أولئك الذين بلا رحمة وبلا قلب يكمنون ويسطون ويأخذون وينهبون ويقتلون ويتركون الضحية فهم يعتبرون أن كل ما في أيدي الآخرين وخصوصا الضعفاء هو حق لهم لذلك لا يتورعون ولا يترددون في أخذ كل شيء أيًا كان الأمر. وهذه الفئة أيضًا موجودة في مجتمعنا بل وللآسف في كنائسنا فهم الذين يكرهون ويبغضون ويقتلون معنويا وماديا هم الذين يُشهرون بالآخرين ويسيئون إلى سمعتهم ويطلقون الشائعات ويتصرفون بأنانية وذاتية وديكتاتورية ويمارسون التمييز والمحاباة والنفاق والرياء والاستخفاف والازدراء بالآخرين بل ويسلبون حقوقهم ويقتحمون خصوصياتهم ويستغلونهم معنويًا وماديًا أيضًا. لا شك أنها صورة مكروهة جدا لكن الواقع أنها موجودة ومتغلغلة في داخلنا فكم من معتدين وهؤلاء ليسوا دائما في ثياب الذئاب بل كثيرا ما يكونون في ثياب الحملان. فكم من مؤمنين بل وخدام ولهم علاقة بالكنيسة وبالخدمة لكنهم في جوانب معينة يكونون أولئك اللصوص المعتدين على الأخرين.
3) المتدينون: في هذا الطريق الذي طرح فيه الإنسان المجروح مر الكاهن واللاوي ورأيا الاحتياج لكنهما جازا مقابله دون أن يقدما أي مساعدة عملية ونحن لا نعلم ماذا دار في قلبيهما أو فكرهما لكننا لا نرى أي تدخل فيه نية المساعدة. هذه الفئة هي فئة الذين يهتمون بالمظاهر الدينية التي يتحول فيها الأمر إلى أن الطقوس وشكل العبادة دون جوهرها هو الهدف.
مجموعة من الناس تتكلم وتتكلم دون أن تفعل شيئًا مما تقوله. هؤلاء الذين لديهم القوانين أهم من الناس والسبت أهم من الإنسان. الآخر ليس في أجندتهم على الإطلاق لا يتعاطفون معه ولا يخاطرون بأن يعطوا له وقتا أو جهدا أو مالا. طالما انتهوا من عبادتهم فقد انتهي كل خير يمكن أن يفعلونه فما يدفعهم للتورط في مشكلة أو في تسديد احتياج؟ هؤلاء الذين يحسبون ألف حساب قبل أن يفكروا كيف يمدون يدهم للمحتاجين والمتضايقين هؤلاء لهم صورة التقوى لكنهم أبعد ما يكونون عن جوهرها.
4) الصالحون: يقدم لنا المثل شخصية السامري الصالح الذي كان غريبًا جدًا على مسامع الحاضرين أن يكون السامري المنبوذ والمحتقر لديهم هو الذي يصنع رحمة وخيرا لذلك الإنسان الجريح. ولقد كانت المفارقة واضحة جدًا بين رجال الدين وذلك السامري العادي الذي لم ينسب إليه أي منصب ديني أو لقب خدمي. وبينما الكل قد رأى لكنه لم يقف عنده الأمر عند الرؤية فيقول عنه المثل أنه تحنن وبادر وتقدم وضمد الجراح وصب عليها زيتا وأعطي له الأولوية على نفسه فأركبه على دابته وأتي به إلى مشفى واعتني به إلى الغد فقد قدم وقته وماله وجهده لهذا المصاب وعطل خطته لنفسه لكي يكون المحتاج له كل الاهتمام والأولوية وأعطى دينارين لصاحب الفندق وأوصاه بالعناية والاهتمام به ووعد أنه عندما يرجع مرة أخرى سيدفع ويهتم ويسأل مهما كلفه الأمر فلم يمش فقط الميل الثاني لكن الثالث والرابع والخامس أنه نموذج للرجل العادي الصالح المعطي المهتم المكترث بمن حوله الذي له قلب وفكر وأيدي تعرف كيف تصنع الرحمة بكل أبعداها.
وبكل شكر لنعمة الله هناك عدد ليس قليل في مجتمعنا وكنائسنا لهم قلب صالح وعقل واعي وأيدي معطية ترى بعيون مكترثة وقلوب حانية وعقول صالحة واستعداد كامل لبذل النفس طواعية من القلب دون إلحاح أو مطالبة بالعطاء. ولأجل هؤلاء وبفعل هؤلاء تبقى في مجتمعنا وكنائسنا نقاط مضيئة.
إن هذا المثل هو صرخة في وجه المعتدين والمنتفعين والمتدينين شكرًا وأيضًا نسمة حياة للمجروحين.
والأمر الهام هو أين نرى أنفسنا في هذه الاوجه الخمس؟ العجيب أننا عندما ننظر إلى أنفسنا دائمًا نرى أننا نحن أما المجروحين أو الصالحين لكن للأسف في مرات كثيرة نأخذ كل الوجوه فتارة نعتدي وتارة ننتفع وتارة نتظاهر كالمتدينين وهذا لا ينفي أننا مرات نجرح ومرات نصنع الرحمة. ولكن يبقى الصوت مدويا لكل إنسان يرى الاحتياج اذهب أنت أيضا واصنع هكذا. فمن يصنعون الرحمة بهذا الأسلوب هم من يحفظون العالم من الانهيار والتلف وهم ملح ونور هذا العالم فهم ببساطة أتباع السيد.