آراء

الإنجيل في زمن التباعد الاجتماعي؟

الهدى 1221                                                                                                                                       مايو 2020

لم يبدأ تحدي التباعد الاجتماعي أمام رسالة الإنجيل مع ظهور فيروس كورونا فقط، لكن منذ بداية إرسالية الكنيسة وهي تواجه أشكالًا مختلفة من محاولات التباعد الاجتماعي تشتت الكنيسة، سجن بولس، ونفي يوحنا الرسول،… الخ.

ومع ظهور وسائل الوصول إلى المعارف والمعلومات الدينية والروحية بصورة مستقلة عن الكنيسة، ومع ظهور القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي وما تنشره من خدمات روحية متواصلة، يزداد تحدى التباعد الاجتماعي أمام الكنيسة ورسالتها.
كيف تعاملت الكنيسة منذ بدايتها مع هذا التحدي؟

  1. أدركت الكنيسة أن وحدتها لا تتوقف على المكان، بل على ارتباط أعضاءها في المسيح الذي يُوحِّد شعبه مهما اختلفت الاماكن، ونرى ذلك في تحيات الرسول بولس لكنيسة رومية (إصحاح 16)، وهو لم يكن قد زار هذه الكنيسة من قبل، ولم يكن قد تقابل بالجسد مع كثيرين مما ذكرهم، وكانت قيود السجن تفصله عن التواجد معهم بالجسد، لكنه كان متحدًا معهم بالروح وبمحبة المسيح التي تدفعه للاهتمام والتواصل مع الأخرين رغم هذا التباعد.
  2. استخدمت الكنيسة الوسائل المتاحة في ذلك العصر، لمشاركة الإيمان المسيحي وتشجيع المؤمنين، ونشر رسالة الإيمان ولم تقف الكنيسة عاجزة أمام هذا التحدي، وكان من تلك الوسائل، الكتابة، وقد كُتبت الرسائل (رسائل بولس من السجن ورؤية يوحنا من المنفي،….، ووسيلة أخرى، كانت الخدمة العمليّة، وعلى الرغم من الصعوبات التي كانت تواجه المرأة في المجتمع القديم لنشر رسالة الإنجيل لكن طابيثا استخدمت الخدمة العملية لتسديد احتياجات من حولها.
  3. ركزت الكنيسة على التعاليم عن أهمية الشركة المسيحية ومارستها بكل الطرق المتاحة، ولم تمتنع عنها طالما كانت متاحة بالجسد (أعمال 42:2-47؛ 7:20)، افتقاد الكنيسة (أعمال 36:15)، رغبة بولس الشركة مع كنيسة أورشليم رغم كل التحذيرات من المخاطر التي يمكن ان تواجهه (أعمال13:21)، ابراز مفهوم الكنيسة كجسد المسيح (أفسس 23:1)، وكبناء مترابط (1بطرس 2: 5).
  4. أدركت الكنيسة حقيقة أن العالم متغير لكن الإيمان مُغير، أي أن وسائل الناس تتغير وتختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن زمن إلى زمن، لكن الإيمان المسيحي المُغير لا تعوقه وسائل العصر، بل يتجاوزها لأنه لا يعتمد في تأثيره على الوسائل بل على عمل الروح القدس (1كورنثوس 2: 4؛ 1تسالونيكي 1: 5)، كما أكدَّ المصلح مارتن لوثر أثناء مواجهة الكنيسة وباء الطاعون أنه سيتبع نصائح الأطباء ويأخذ الدواء لكنه أيضًا لن يكف عن الصلاة والخدمة للكنيسة.

إذًا يا أخوتي، ستبقى الكنيسة هي جسد المسيح الذي يتوق دائمًا أن يجتمع معًا حول مركزية المسيح هنا وإلى الأبد، تدرك قيمة الشركة المسيحية وتمارسها لكنها أيضًا لا تقف أسيرة محاولات التباعد الاجتماعي في كل عصر بل تتجاوزها مستغلة كل الوسائل المتاحة لنشر رسالة الإنجيل دون توقف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى