جولة العدد فبراير ومارس 1981
العدد 840 السنة 71 فبراير ومارس 1981
مستشفى الطائفة الإنجيلية
وموضوعات أخرى
لا أعلم تأخرى في الكتابة عن هذا الموضوع إلى اليوم مع أنني كنت وضعت خطوط المقال عنه من عدة شهور كانت هناك مشاغل كثيرة وموضوعات أخرى تزدحم حولى إلى أن هاجمنى المرض بشدة في الايام الاخيرة، وكان مرضا جعلني اضيق بكل شيء وارفض كل شيء ما عدا الدواء والطبيب وعندئذ فكرت في المستشفى.
وقد شغلت مدة (بالمستشفى)، اقول هل هو، أو هل هي. قال لي اساطين العربية أن المستشفى هى. وقال اساطين التقليد أن المستشفى هو. ولكني اليوم لا انشغل بهذه الناحية. لا يهمني أن كان المستشفى هو أو هي. فانا اراه (هو) لاني ارى فيه الطبيب. ولكني أيضاً اراها (هي) لاننى ارى فيها الممرضة.
اقول انني لن انشغل بهذه الناحية من البحث. سأجعله مذكرا اليوم واترك بحث تذكيره أو تانيثه لمقال آخر.
وقد عرفت الطائفة الإنجيلية المستشفى الإنجيلي منذ ان كان اسمه مستشفى الامريكان، هنرى في اسيوط ومستشفى الامريكان في طنطا. ومن المؤسف المؤلم اننا ضيعنا مستشفى هنرى. في كل يوم اشاهد مقدار الجريمة التى ارتكبناها يوم فرطنا في هذا الكنز. وان لا اضع اللوم على احد.. اللهم اصفح عمن فرط في المستشفى.
ومنذ سنوات طويلة ـ اظن ان السنة كانت 1937 ـ في تلك السنة احتفلت الكنيسة الإنجيلية بالعيد الماسي لتأسيسها. في تلك السنة رأى البعض ان العيد لا يعني مجرد احتفال، مجرد خطب وكلمات. ففكر بعضهم.. واظن ان المرحوم الاستاذ حليم يوسف المحامي أو القاضي كان اول من اشار إلى الحاجة القصوى إلى مستشفى انجيلي وطنى ينبغى ان اذكر للصديق. هذا الفضل.
وينبغي ان اذكر ايضاً شخصية عملاقة ظهرت في ذلك الوقت، شخصية (عبد السيد الوحش باشا) الذي تبرع وقتها بمبلغ 25 الف جنيه للمشروع. وهذا المبلغ مع أنه لا يزال يبدو كبيراً إلا انه كان وقت التبرع به اكبر جداً من (كبير). كان نظير شخصية المتبرع مبلغا (عملاقا).
وسارت الايام وقامت احداث وفقدنا المستشفى وان كان قد بقى لنا منه الاسم.
وتجلت الحاجة القاسية إلى مستشفى انجيلي كنا كلنا نرى الحاجة اليه.
لكننا كنا نرى انفسنا اعجز من ان نتحدث عنها قام اطباء. وانشاوا مستشفيات خاصة. كانت مستشفيات تسد جزءا من الحاجة الماسة لكن غالبية الطبقة المتوسطة لم تستطع الافادة منها. ووقف ابناء الكنيسة متحسرين على مستشفى هنرى. لكن عددا مباركا من الاطباء راوا الحاجة، بالطبع كانت رؤيتهم متفقة مع طبيعة عملهم.
كان هؤلاء الاطباء هم الدكاترة: حربي شحاته، عزيز فهيم، فؤاد بخيت، فؤاد بولس، مفيد ابراهيم (بترتيب حروف الهجاء).
كان هؤلاء الاطباء اول من فكر في مواجهة هذه الحاجة. ليس من الضروري ان اذكر من هو اول من فكر.. الامر الهام هو أن احدهم فكر واتفق معه اثنان وانضم إلى هؤلاء الخمسة آخرون، وتالفت هيئة المستشفى الطائفى.
فكر هؤلاء الثلاثة، أو الخمسة أو هؤلاء الاكثر من خمسة.. فكروا في تأسيس مستشفى يكون الغرض منه تقديم العلاج الامين للمرضى باقل تكلفة ممكنة في هذه الايام القاسية.. وان يكون المستشفى ايضا مدرسة يتدرب فيها الاطباء الناشئون ليكونوا نخبة اطباء المستقبل.
وشكرا لله فان السنودس تفهم الحاجة وراى في خدمة الطب خدمة كرازية. كان المسيح كارزا.. وكان طبيبا. وقد أعلن رسالة محبته باللغة التي يفهمها الناس. اعلنها في شفاء الاجساد وفي انارة القلوب.
نعم. تفهم السنودس حقيقة الحاجة وقرر تقديم جزء يذكر من مبنى الطائفة لهذا المشروع الجليل.. شكراً لله وثناء السنودس.. وللاطباء الذين ساهموا بجهودهم وساهموا باموالهم في العمل على اقامة هذا المستشفى.
اما المستشفى فهو في طور الظهور. انه لا يزيد عن هلال.. والامر يتطلب جهودا كبيرة ليبدا عمله.. والمأمول انه في يناير سنة 1982 سيبدأ تشغيل العيادة الخارجية.. وفي يناير سنة 1983 سيبدا العمل في الخدمات الداخلية.
اقول:
انني اشكر الله واقول ايضاً:
انني انتظر مساهمة الشعب..
سيقوم الله حتما بنصيبه ولكنه ينتظر من الشعب ان يقوم بنصيبه..
قررت الهيئة الادارية للمستشفى ان تقيم (يوم المستشفى)..
انتظروا تفاصيل هذا اليوم.. انتظروا التفاصيل مصلين.. وانتظروا مستعدين للمساهمة.. والله معكم..
(الهدى) تدخل عامها الحادي والسبعين
ظهر العدد الاول (للهدى) في يناير 1911. بل ان العدد الاول في الحقيقة ظهر في أغسطس 1894 لكنه ظهر تحت اسم (المرشد). ولاسباب لا داعي لذكرها عطلت المرشد شهوراً قليلة في أواخر 1910 لتظهر في يناير سنة 1911 تحت اسم (الهدى). وأنا اعتز بالمرشد لانها ظهرت في السنة التي ولدت فيها صحيح اني لم اقرأها وقت ظهورها ولكني عثرت على الاعداد الاولى منها ولازالت احتفظ بها واعتز بها، لم يكن اسم المحرر الوطنى يكتب في صدر المجلة. كان الترخيص بصدورها للمرسلين الامريكيين. كان اسم الدكتور فني هو الاسم المعروف لصاحبها ومحررها. على انه بعد صدور مجلة الهدى بقليل اعتمد اسم الشيخ مترى صليب الدويرى محررا لها. وكنت انا اساعده في التحرير مع مسئولية الادارة. كان مديرا المجلة احد الامريكان واحد المصريين. وظلت المدير المصرى إلى سنة 1950 حين تسلمت رئاسة التحرير وقام بالادارة والمساعدة في التحرير المرحوم القس الياس مقار.
وظل القس مقار مديرا للادارة إلى أن انتقل إلى رحمة الله.. ويقوم بالادارة حاليا مجلس مؤلف من عدد من أعضاء السنودس ويرأس المجلس في الوقت الحاضر رئيس التحرير.
كانت المجلة إلى سنة 1926 تتبع المرسلية الامريكية في تلك السنة عينت لجنة للتحرير لتعاون رئيس التحرير، كان من أعضائها الدكتور القس ابراهيم سعيد والقس لبيب مشرقي والشيخ كامل منصور. وفي سنة 1936 عين القس لبيب مشرقي والدكتور الدر مديرين، وكان على الاول أن يساعد في التحرير مع الشيخ مترى الذي اعتمد رسميا من المسئولين الحكوميين محرراً مسئولاً. وفي سنة 1950 انتقل الشيخ مترى إلى الدار الباقية وعينت رسميا محررا مسئولاً.
منذ سنة 1936 أصبحت المجلة وطنية مائه في المئه وقد اشفق الكثيرون على المجلة. من ذا يتحمل مسئولية اصدارها؟! انها تتكلف الكثير. المشتركون لا يقومون بسداد الاشتراكات ومجموع الاشتراكات لا يقوم بازيد من ربع التكلفة. الهجوم على المجلة من الداخل ومن الخارج يزعزع ايمان القائمين بالمسئولية.. كما كان يزعزعه تأخر المشتركين في دفع اشتراكاتهم.. عدم المعاونة من الكثيرين.. ارتفاع اثمان الورق إلى رقم مخيف. في أول الامر كان الورق لعدد الواحد يكلف 60 (ستين قرشاً) فارتفع هذا الرقم إلى 32 جنيها.. توقفت صحف أخرى. أما صحيفتنا فلم تتوقف. صحيح أننا حولناها إلى نصف شهرية ولكننا عوضنا ذلك بزيادة الحجم. فبدلا من ثماني صفحات من حجم صغير، صارت ثماني وأربعين صفحة من حجم أقرب إلى الضعف نعم صمدت الصحيفة أمام غول الغلاء. والفضل في ذلك لله الذي عمل في بعض الغيورين من أعضائنا في امريكا وغير امريكا وقد ذكرت بعض الاسماء المباركة في اعداد سابقة.
وفي وسط التيارات المتعارضة التي هزت لاهوتيات صحف كثيرة تعرضت صحيفتنا لتيارات الانحراف ولكنها ـ شكراً لله صمدت امام اعتى هذه التيارات، وحافظت على ما تسلمته من السيد وظل الهها القديم هو هو وكتابها القديم هوهو مع تطوير الاسلوب وتغيير النهج. شكراً لله
وها نحن ندخل سنة 1981 أي تدخل الهدى عامها الحادي والسبعين أو تدخل المرشد عامها السادس والتسعين ـ وكل ما أحب أن أقوله، اللهم شكراً. نعم شكراً جزيلا!!
حفلات الذكرى
الصديق الحبيب رئيس التحرير.. بعد التحية في المسيح تركتك الاسبوع الماضي دون ان اقتنع بما قدمت لي من حجج جعلت كنيستنا تمتنع عن اقامة حفلات الذكرى للمنتقلين إلى المجد. وقد راجعت ما قلته انت وما قلته انا.
اما انا فقلت لك: ان في حفلات الذكرى مجالا للتعزية، فان الخدمة في هذه الحفلات ـ من الكتاب ومن التعليم وفيها صلوات ولئن كانت تفتح الجروح كما تقول، فان في الدموع المسكوبة تعزية ولا شك، ونحن نحب ان نبكي لنفرغ الضغط الذي يثقل على قلوبنا. ان البكاء بركة اعطاها الله لنا ونحن لا نبكي بلا رجاء ياصديقى.
وقد قلت لك ان في هذا الحفلات يجتمع الاهل والاصدقاء معا، وفي هذه الاجتماعات شركة محبة نحن احوج ما تكون لها. فيها تعزية اننا لسنا وحدنا.
ان المسيح معنا هذا صحيح، ولكن اخوة المسيح يشتركون مع السيد وهؤلاء يتمتعون بخدمة روحية ويتعزون هم ايضا لقد قلت لي ان غالبية هؤلاء يأتون متضررين. انهم يأتون لتادية واجب لا تدفعهم شركة حقيقية. وانا اوافقك جدلا. ولكني اسال هل كلهم ياتون لمجرد الواجب. وهل كلهم ياتون متضررين؟
ثم. الا يستفيد بعضهم من الخدمة؟ وهل جميع الذين يحضرون خدمة الاحد يأتون مخلصين ويستفيدون من الخدمة؟ ان حضور البعض، وخصوصا ممن لا يسمعون الانجيل، بركة. انها فرصة مباركة لتقديم البشارة ياصديقى. نعم فرصة.. لماذا لا تغتنمها؟
ودعني اقل لك ان كنت لا تريد حفلات الذكرى لما يقال فيها من كلام المبالغة عن (الفقيد) فلماذا لا تقول ذلك عن حفل تشييع الجثمان؟ لماذا يحمل الجثمان إلى الكنيسة؟ ولماذا يذكرون مناقب الفقيد.. ولماذا تقام خدمة؟.
ولقد قلت لي في ختام الحديث ان اليوم الثالث واليوم السابع واليوم الخامس عشر ويوم الاربعين ويوم السنة هي من مخلفات الوثنية، واقامتها احياء للوثنية. وانا أوكد لك ياصديقي أنه لا يوجد بيننا من ينسب يوم الذكرى إلى تاريخ قديم. انهمم يذكرون فقط ان فقيدهم انتقل من ثلاثة ايام أو سبعة.. وهكذا. ان يوم الذكرى لا يرتبط عندهم بعلاقة دينية. ان بعضنا يحاول أن يربطه بتاريخ مسيحي. وارجو ياصديقى الا تتمسكوا بما يشبه التعصب. وارجو بدلا من الوقوف ضد هذه الحفلات لماذا لا تطورونها لتصبح وسيلة لخدمة مجيدة ومباركة تحريرا في 1/ 12/ 1980..
كان هذا رد صديقى على حديثي معه منذ فترة وبالتحديد يوم 24/ 11/ 1980 – ولعل من المفيد ان اتلقى من القراء التعليق المناسب!!
نور في الظلام..
يجوز العالم في الايام الاخيرة في ظروف قاسية، ففي الشرق نسمع من متاعب في كوريا وفيتنام والهند وافغانستان وايران والعراق.. ولبنان وسوريا وليبيا.. وفي الغرب نسمع ما يشبه ذلك. وقد قرانا عن الزلازل المخيفه التي دمرت وخربت وشردت الألوف ودفنت مئات النفوس.. وقد احسسنا ان الظلام يغطى تلك البلاد التعيسة. ولكننا في وسط هذا البلاء ابصرنا أشعة نورانية تشق ذلك الظلام الكثيف. ابصرنا نور المحبة المسيحية يتجلى وهاجا.
فها كل بلاد العالم تهتم بان تمد يد المعاونة للتخفيف من ثقل هذه الكارثة، في الوقت الذي نبصر فيه أناسا يرسلون سيف القتل، فيقتل الإنسان اخاه الإنسان، ويشرد الإنسان اخاه الإنسان. ويرسل الإنسان قنابله لتدمر وتحرق اخاه الإنسان. في الوقت الذي يتحول الإنسان فيه إلى وحش يمزق جسد اخيه الإنسان فيخيل إلينا ان الارض امتلات بشياطين، في ذلك الوقت نلاحظ الإنسان يتحول إلى ملاك يمديده وليمسح دموع اخيه الإنسان ويعصب جروحه ويهدئ ثوران قلبه.. في الوقت الذي نرى فيه اللصوص يهجمون على اخيهم يمزقون جسده ويتركونه بين حي وميت، في ذلك الوقت نبصر السامري ينزل عن دابته ويتحنن على الجريح، الذي كان إلى ان رآه، عدوا.
ينظر السامرى إلى الجريح اليهودي ومن خلال تلك الجروح يرى فيه لا عدوا ولا يهوديا انما يراه انسانا.
بل يراه أكثر من ذلك يراه اخا فيتحنن عليه ويضمد جروحه ويسكب عليها زيتا وخمراً، ويحمله إلى الفندق ويسهر بجانبه طوال الليل، وفي الصباح يقدم لصاحب الفندق دينارين ويطلب منه أن يعتنى بالجريح، ويعده بانه سيقوم بكل ما تتطلبه هذه للعناية من نفقات!
اننى اصلى انه يشق نور المسيح ظلام العالم فيرى الإنسان من خلاله اخاه الإنسان ويمد له يده لا مهاجما بل مواسيا ومعاونا.. ومحبا!!.
الضيافة ـ في احتفال الصلاة
كانت الضيافة في الكنيسة الاولى (اقصد كنيسة القرن الاول) عنصرا اساسيا من عناصر العبادة. وقد جاء في رسالة رومية قول الرسول:
(عاكفين على اضافة الغرباء) وفي سفر العبرانيين (لا تنسوا اضافة الغرباء لان بها اضاف اناس ملائكة وهم لا يدرون) وقد كانت هذه الفضيلة بارزة في كنيستنا الإنجيلية في السنين الماضية. وقد تمتعت شخصيا ببركاتها في اوائل خدمتى. ذقت حلاوتها في بيوت المؤمنين. كنت احس اني في اسرتى، بين ابي وامى واخواتي. وتقدمت بلادنا في المدينة فامتنعت الضيافة تقريبا. على اني في سنة 1935 وما بعدها.. وفي سنة 1948 وما بعدها كانت لي فرصة لزيارة السودان والحبشة والبحرين والكويت والعراق.. ولبنان وسوريا وفي هذه البلاد تمتعت بهذه البركة. ولما زرت.. كندا والولايات المتحدة والبرازيل، ونزلت ضيفا في بيوت اخوة لازلت اتسلم منهم مكاتيب السؤال.. والدعوة لان (غرفتى) جاهزة لي ولزوجتي.
كم كنت اشعر بالشبع الروحي وانا اجتمع مع العائلات الحبيبة على مائدة الطعام ومائدة الصلاة.
وفي السنوات الاخيرة كانت لي الفرصة ان اخدم في كنيستي في ملوى،.. وفي اسيوط ونزلت انا وزوجتي ضيفين في بيوت الاحباء. وكن اعود ممتلئا بهجة روحية لاحد لها.
على ان فرحى بلغ حده الممتاز في رحلتي الاخيرة إلى المنيا لحضور احتفال الصلاة. طلبت ان يرتبوا لى مكانًا في الفندق وذهبت إلى المنيا وهناك فوجئت بأن عائلات احتجت على ذلك. ان بيوتهم وقلوبهم تتسع لاكثر من اضافة عائلة، اكثر من عائلة طلبت ذلك، اقل عائلات ولا عائلة ولا عائلتين.. وكان ان اضافنا، الدكتور غبريال رزق الله وقريبته، وانا وزوجتى. والقس أديب حبيب. كلنا نزلنا ضيوفا على الشيخ توفيق خليل. لا أعرف كلمات تعبر عن سخاء الروح الذي تمتعنا به في ذلك البيت الكريم.
وحين كان افراد العائلة الكثيرون يحيطون بنا كبارًا وصغارًا، والسرور يتجلى على وجوههم، كنت اعود بذهني إلى الامس البعيد، واذكر الكنيسة الإنجيلية كنيسة القرية التي كانت تقدم صورة حية لكنائس اورشليم وأنطاكية وفيلبي … كنائس مناسون وليدية.
شكرا لله لقد عادت لنا كنيسة المحبة الاولى كنيسة اضافة الغرباء!!