كلمات وكلمات فبراير 2022
الهدى 1240-1241 فبراير ومارس 2022
لا شك أن المجتمع الكنسي يعانى في الآونة الأخيرة من مشكلات وآفات خطيرة ومزمنة تؤثر على كل جوانب حياته، وقد أجمع الإصلاحيون والمفكرون وذوو الرؤى الثاقبة على أن نهضة الكنيسة وإعادتها إلى مجدها لن تتم دون وقفة واضحة في مواجهة تدهور القيم الروحيّة والأخلاقيّة والسلوكيّة، وأمَّا تحقيق هذه النهضة فمرهون ببناء الجماعة والأفراد على أسس روحيّة حقيقية راسخة ومتعمقة في الوجدان، وهكذا نحتاج إلى إعادة تقييم حالة الإنسان الكنسي المعاصر من قادة وخدام وشعب وإعادة بنائه على أسس روحيّة كتابيّة وتعليميّة، ونقطة الانطلاق إلى تلك النهضة هي عمل دراسة علمية تحليليّة واجتماعيّة وروحيّة لحالة الإنسان الكنسي المعاصر بداية من عضو الكنيسة المحليّة وخدامها والنظام القيمي والأخلاقي السائد ومدى الاستقامة أو الاعوجاج في سلوكه تجاه الآخرين، إن أساس العلاقات وقيَّمه العليا داخل جسد المسيح (الكنيسة) مقياسها الإنسان يسوع المسيح، وكلما قَرُبَت أخلاقُنا وقيمُنا العليا إلى شخصه تكون هذه بمثابة أول خطوة للإصلاح، فإذا صَلُح الخادم أو الراعي مُتذكرًا القيم العليا التي أراد أن يتبناها يوم أحَس بدعوته من الله أن يكون خادمًا، واندفع نحو تكريس ذاته، وتذكر حماسَهُ الأول نحو الطهارة والاتضاع والتجويد في خدمته للبشر، بل وتقديم ذاته ذبيحة للآخرين، وتذكّر كم كان طاهرًا نقيًا متحمسًا للقيم العليا التي كان يسوع نموذجًا لها، وكم تغيَّر كل ذلك مع مرور الزمن، وضغط المجتمع، وتحدى الأيام، والجو المحيط غير الصحي سواء داخل الكنيسة المحليّة أو العامة، وقرر أن يستعيدها – رغم صعوبة ذلك – فبلا شك أن الحياة على مستوى اجتماعي أعلى تحتاج أحيانًا إلى تنازلات روحيّة وأخلاقيّة، وإلى علاقات ليست أساسها الحب والإخلاص والمشاركة الروحية بقدر أن تكون علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية، فحاجتنا اليوم هي أن نعود إلى روحيات وأخلاقيات دعوتنا الأولى ونعيد ترتيب أولوياتنا عند لحظة انطلاقنا في السباق لخدمة السيد ولا يوجدُ طريقٌ آخر.
خبرة رعويَّة
في بداية انطلاقي للخدمة كان كل تركيزي على رعاية رعويتي بكل إخلاص وتفانٍ وحب واضعًا يسوع النموذج الكامل لهذا العمل، وكانت خدمتي بعد تخرجي في قرية صغيرة جدًا (عزبة)، والكنيسة صغيرة، ومعظم الناس من الفقراء، ووجدت نفسى أنخرط في رعايتهم بحب شديد وعطاء وانفتاح، صرت ابنًا لمن هم أكبر منى، وصديقًا لجيلي وأبًا للأصغر، لم تكن هناك أي إمكانيات تُشجع على البقاء خاصة وأن خلفيتي كانت ابن وحيد لعائلة ميسورة الحال، لذلك لم يتوقع أحد رعاة المجمع ليَّ النجاح، ولا حتى راعى كنيستي المحلية، والجميع راهنوا على أنى سأترك الخدمة بعد عدة شهور قليلة، أو على الأكثر خلال عام، وكان راعى كنيستي والذي كان أبى شيخًا بها، وكذلك راعى الكنيسة التي في المحافظة التي أنتمي إليها، والذى يَعرف أسرتي جيدًا، بل وأصدقاء أبى ينتظرون جميعهم اليوم الذى أعلن فيه تركي القرية والبحث في أقرب وقت عن كنيسة أكبر في محافظة أو مركز أو حتى في القاهرة وحتمًا سوف لا أجد مثل تلك الفرصة في السنين الأولى لخدمتي، وبالتالي سوف أتعب سريعًا وأترك الخدمة، وكان أصدقاء ثانوي الأشقياء، والجيران وأعضاء كنيستي الكل ينتظر رؤيتي وأنا أحمل حقيبة ملابسي خارجًا من القرية ومن المجمع خاصة كان عمرى حينذاك لا يتعدى الحادية والعشرين، وكان هذا منطق الأشياء كما ذكر لي راعي كنيستي بعد نجاحي في الخدمة، لكن مرت الأيام بل والسنين، عشر سنوات بلا مياه نقية ولا كهرباء ولا أي شيء مما يتمناه الإنسان من راحة ومتعة جسدية إنسانية، وإن قلت لك – عزيزي القارئ – إني كنت في أسعد حالاتي، لن تُصدقني لكن كانت هذه هي الحقيقة، لقد كنت طفلًا مُدللًا وحيدًا كل طلباتي مجابة، وجاء الوقت لكى أكتشف ذاتي وأحققها متمردًا على الطفل المدلل داخلي مهما كان الثمن وقد كان، لكن كيف؟!
حكاية لاهوتية
كانت محاضرة الأستاذ المعلم عن طرق التدريس ونوعيتها، وذلك لأن التلاميذ كانوا من الذين يتدربون ليصبحوا قادة أي معلمين أو خدام … إلخ، أراد الأستاذ أن يُعَبر عن فكرته من خلال قصة المرأة السامرية. فبدأ محاضرته بالقول: إن أعظم نظرية للتعليم والتعلم في أكبر المعاهد والجامعات في العالم اليوم جاءت من خلال المرأة السامرية، فالمرأة السامرية عندما عادت إلى قريتها بعد لقائها بيسوع لم تخطب أو تعظ بطريقة مباشرة، ولم ترنم أو تغنى لتجمع الناس حولها، لقد قدمت نظرية جديدة في طرق التعلم، لقد طرحت بالأسئلة وتركت المستمعين يبحثون عن إجابتها بأنفسهم. وقد سألتهم قائلة: «أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟» لقد كان الصراع داخل المرأة السامرية بين نظريتين للتعليم، الأولى: الإغراء لكى تقدم الإجابات كأي معلم يُحب ويعشق تقديم الإجابات، وكان الأروع بالنسبة لها والأعظم أن تصرخ في وجوه مستمعيها» لقد وجدت المسيا»، وهكذا يجتمع الناس حولها فتحكى وتسهب أنها تحدثت مع رجل قال لها إجابة على سؤالها إن كان هو المسيا: «أنا هو الذى أكلمك»، ثم تحكي وتعظ بإسهاب عن قدراته ومعارفه بفخر، وتشرح خبرتها معه بزهو شديد، لكن السامرية لم تفعل ذلك، لقد تبنت بفطرتها نظرية أخرى للتعليم، هى طرح الأسئلة وليست الإجابات، وللعجب ـ عزيزي القارئ ـ هذه النظرية تتبناها أكبر المعاهد العلمية في العالم الأول، لقد جاءت هذه النظرية العظيمة من قريحة المرأة السامرية، سأل الأستاذ أي طريقة للتدريس تفضلونها؟ وأخذ الأستاذ يجمع حاجياته دون أن ينتظر إجابات قائلًا: تخيلوا ماذا قالت السامرية للجمهور: وتطبيقًا لما قالت السامرية للناس، ما الذي يمكنكم أن تقولونه أنتم للناس؟
وبينما التلاميذ يقترحون بأصوات عالية ويختلفون على طرق التعليم كان الأستاذ قد اقترب إلى منزله بسيارته رغم بعد المسافة عن المدرسة.
مختارات
قال فيلسوف لكنَّاس في الطريق: إني أرثى لك، عملك شاق وقذر .. أجاب الكناس: شكرًا لك يا سيدى. هات خبرني ما عملك؟ .. أجاب الفيلسوف إني أفحص عقل الإنسان، أفعاله ورغباته. عندها تولى الكناس بمكنسته وهو يقول باسمًا: إني لأرثي لك أنت الآخر.
من رمل وزبد لجبران خليل جبران.