الإصلاح المنشود وكلمة الله
الهدى 1237 نوفمبر 2021
كثُر الحديث هذه الأيام عن احتياج الكنيسة الإنجيليّة المُصلحة، للإصلاح!، أفلا يكفي أن تنتسب كنيستنا للإصلاح الإنجيلي؛ الذي غيَّر العالم من شرقه لغربه، ومن أدناه لأقصاه؟ وهل تحتاج الكنيسة في الوقت الراهن للإصلاح؟ وإذا كانت الإجابة، نعم؛ فما هو يا ترى الإصلاح المقصود، أو ما هو الإصلاح التي تحتاج إليه كنيستنا؟ هل هو إصلاحٌ في العقيدة، أم إصلاح في النظام، أم في العبادة؟ ترى هل الإصلاح التي تحتاجه الكنيسة، إصلاح فكري، أم إصلاح إداري؟ وهل الإصلاح المنشود إصلاح مؤسسي، أم إصلاحٌ يقوم على بعض الرؤى الفرديّة؟
بنظرة سريعة على التاريخ، وكلمة الله، نجد الكثير من الشواهد التي تؤكد منطقيّة تلك الدعوات المُتكررة والمُطالِبة بالإصلاح لكنيستنا، كما أنَّ المتغيرات المُعاصرة أيضًا تدعونا جميعًا لوقفة نستعيد فيها الأساسيّات التي قامت عليها وانطلقت منها كنيستنا، ولصياغات جديدة لتلك الأسس والمبادئ تتناسب وتحديات العصر الذي نعيشه؛ لكن يبقى السؤال: لماذا الآن؟ وعلى أي ركيزة يجب أن ينطلق منها الإصلاح؟
يؤكد التاريخ العام، والكتابي على وجه التحديد، أنَّ اللحظة التي تنطلق فيها الدعوات للإصلاح، هي تلك اللحظة التاريخيّة الكاشفة للاحتياج للإصلاح، سواء كان هذا الاحتياج نتيجة تحديات داخليّة، منها ابتعاد الجماعة عن العبادة الحقيقية لله الحي، أو لضعف القيادة أو غيابها أو اهتزاها، أو لمخاطر وتحديات خارجيّة، وقد سجَّل والتر كايزر في كتابه «دعوة للنهضة»، ما كتبه ويلبر سميث، أنَّ الإصلاح دائمًا يسبقه فترة من التدهور الروحي العميق واليأس. مثلما حدث في أيام حزقيا (٢أخبار ٢٩-٣١)؛ كان هناك شعور عميق بالخطيئة ورغبة طاغية في الانفصال عنها؛ واحتياج مُعلن للعودة للعبادة الحقيقيّة التي تليق بالله، وهكذا كل الحركات الإصلاحيّة التي شهدها التاريخ الديني، وسجلَّها الكتاب المقدس، وربما تتشابه الظروف التي نمر بها في اللحظة الراهنة، لذا تتكرر الدعوات للإصلاح الكنسي.
وبالتأمل والدراسة في كل الحركات الإصلاحيّة التي سجلَّها الكتاب المقدس، وكذلك حركة الإصلاح الإنجيلي التي قام بها المصلحون العظماء، مارتن لوثر ورفاقه، كان لكلمة الله، والعلاقة الحقيقيّة معه، الدور المحوري الذي انطلق منه الإصلاح، وما تلاه كان نتيجة طبيعيّة لتصحيح العلاقة مع الله، ففي دعوة يعقوب في أول حركة إصلاح سجلَّها سفر التكوين، قال لأهل بيته: «اعْزِلُوا الْالِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَابْدِلُوا ثِيَابَكُمْ. وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ الَى بَيْتِ ايلَ..» (تكوين 35: 2-3)، مرورًا بما حدث مع يوشيا لاحقًا، من تجديد الهيكل، مركز العبادة، واكتشاف سفر الشريعة، وتجديد العهود مع الرب، وتحطيم العبادات الوثنيّة، وإبعاد الكهنة الكذبة، وأخيرًا الاحتفال بالفصح (2أخبار 34-35)، وصولًا لحركة الإصلاح الإنجيلي التي انطلقت من كلمة الله، وارتكنت إليها، فقد غيَّرت كلمة الله أولًا المُصلح مارتن لوثر، وامتلئ بها، حتى أنَّه قال في محاكمته، قولته الشهيرة: «ما لم يتم اقناعي بالأدلة من الكتاب المقدس، فإنَّ ضميري أسير كلمة الله، فلا يمكنني ولن أتراجع. ها أنا أقف. أستطيع أن أفعل أي شيء آخر»؛ فكلما كانت كلمة الله محورية في الإصلاح، كلما كان الإصلاح قريب من خطة الله ومشيئته، وتكون نتائج الإصلاح إيجابيّة ومؤثرة في حياة المؤسسة والأفراد.
الإصلاح عملية ممتدة، وتحتاج لفترات زمنية أطول مما نظن أنه وصفة وبضعة خطوات إذا أنجزناها، يتحقق الإصلاح فورًا، احتاج إصلاح يوشيا لعشر سنوات حتى يؤتي ثمره، وهكذا أيضًا احتاج الإصلاح الإنجيلي لعقود وقرون من الزمان، حتى تغيَّرت الكنيسة.
الإصلاح، يبدأ فرديًا، مؤسسًا على كلمة الله، وطاعته، والتواضع أمامه، ثم يمتد في دوائر حتى يُصبح حركة مرئيّة ومؤثرة، ولم نر إصلاحًا يأتي بقراراتٍ فوقيّة، وكم مرة حذَّر الكتاب المقدس من القادة الذين يسامون ويُضلّون ويُضللون، كان اللاويين أكثر اجتهادًا من الكهنة، القادة الدينيين، هذا ما سجَّله الكتاب وقت إصلاح حزقيا، يقول: «.. أَنَّ اللاَّوِيِّينَ كَانُوا أَكْثَرَ اسْتِقَامَةَ قَلْبٍ مِنَ الْكَهَنَةِ فِي التَّقَدُّسِ» (2أخبار 29: 34).
غالبًا، ما يبدأ الإصلاح الخارجي بسبب الإصلاح الداخلي في حياة قادته. وهكذا رأينا لوثر ورفاقه، فمن خلال الكلمة وحدها، نؤمن بالمسيح وحده، الذي يُبررنا بالإيمان وحده، فيعود المجد لله وحده.