دراسات كتابية

المولود الحزين

الهدى 1208                                                                                                                        أبريل 2019

«9وَكَانَ يَعْبِيصُ أَشْرَفَ مِنْ إِخْوَتِهِ. وَسَمَّتْهُ أُمُّهُ يَعْبِيصَ قَائِلَةً: «لأَنِّي وَلَدْتُهُ بِحُزْنٍ». 10وَدَعَا يَعْبِيصُ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ: «لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي, وَتُوَسِّعُ تُخُومِي, وَتَكُونُ يَدُكَ مَعِي, وَتَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ حَتَّى لاَ يُتْعِبُنِي». فَآتَاهُ اللَّهُ بِمَا سَأَلَ». (أخبار الأيام الأول 4 : 9 و10).
هو من نسل يهوذا أحد أسباط بني اسرائيل، يهوذا ولد فارص، وفارص ولد حصرون، وحصرون ولد أبناء وأحفاد كثيرين منهم يعبيص (متى 1 : 3)، واسم يعبيص من الأسماء الغريبة في الكتاب المقدس لأن معناه (ابن الحزن) أو (ابن الألم).
ويقال أن أمه تعسرت جداً وتألمت جداً حين ولدته حتى اسمته بهذا الاسم. ويرى بعض المفسرين أنه وُلد يتيماً وكان يتعرض للمعاملة القاسية من إخوته بالإضافة لظروف إجتماعية أخرى.
لكن الحزن الذي عرفه يعبيص منذ ولادته تحول إلي الأفضل والأشرف حتى بلغ به الحد أنه أصبح رجل صلاة، فكانت ظروف الحزن والألم بالنسبة له مدرسة تعلم فيها صفات الصبر والمثابرة، مما جعله أشرف وأعظم من كل أخوته.
وعندما نتأمل صلاته الرائعة التي دونها لنا الوحي يتبيّن لنا بكل وضوح لماذا قال عنه الكتاب أنه أشرف من إخوته. هناك على الأقل «سبعة» أسباب أو «سبع» عبارات في هذه الصلاة تجيب على هذا السؤال:
1) كان شريفاً لأنه وجه صلاته إلي الله
«ليتك»، كلمة إفتتاحية فيها وقار واحترام لأنه دعا إله اسرائيل إله ابراهيم واسحق ويعقوب خالق الأكوان الذي له كل السلطان والعظمة والمجد، فهو لم يدعُ إلهاً وثنياً أو مجهولاً بل عرف أن يوجّه صلاته الوجهة الصحيحة لأنه يطلب من ملك الملوك ورب الأرباب الذي يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر. وبهذه الكلمة الافتتاحية لصلاته فإنه يطرق باب الرأفة والرحمة من إله عظيم في عطائه وفي إحساناته. وقد وردت هذه الكلمة في صلوات وطلبات كثيرين في الكتاب، فنجد صيحة ابراهيم: «ليت إسماعيل يعيش أمامك» (تكوين 17 : 18) وصرخة إشعياء النبي»ليتك تشق السموات وتنزل ..» (إشعياء 64 : 1) «ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك ..» (إشعياء 48 : 18) أما في العهد الجديد نجد معلم اليهود يايرس قائلاً للرب يسوع: «ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتشفى فتحيا ( مر 5 : 23). بهذه الكلمة البسيطة العظيمة بدأ يعبيص صلاته لله.
2) كان شريفاً لأنه طلب البركة الحقيقية
«تباركني»، كانت أولى طلباته أن الله يباركه لأنه يعلم أن: بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعب (أمثال 10 : 22) فهو لم يطلب أموراً بعينها أو أشياء مادية كالغنى والسلطة بل طلب أن يبارك الرب ما عنده لأن «القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين» (مزمور 37 : 16) وكأنه سمع بأذنيه عبارة الرب يسوع «أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم» (متى 6 : 33) وقد وثق في وعد الرب «أنا أكرم الذين يكرمونني» (صموئيل الثاني 2 : 30).
3) كان شريفًا لأنه طلب النمو الروحي
إن عبارة «وتوسع تخومي» لا تقف عند حد معين حسب معرفته هو شخصياً فهو يطلب من الله عمقاً أكثر وفهماً أعمق لكلمة الله ليلهج في ناموسه نهاراً وليلاً، فهو يطلب أن ينمو في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح (بطرس الثانية 3 : 18) فالرب يوسع تخومنا في الخدمة وفي ربح النفوس ونشر رسالة المحبة للجميع لأن الله يريد أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون. لقد كانت أحلامه ورؤاه المستقبلية ليمجد اسم الله ويعلي اسمه المبارك.
4) كان شريفاً لأنه طلب مساندة الرب له
«وتكون يدك معي»، مهما فعلنا بقوتنا أو بضعفنا لاينجح العمل إلا بمساندة الرب معنا. «لأن الرب مسند يده» (مزمور 37 : 24) فالله قادر أن يحول ضعفنا إلي قوة، كما قال لبولس الرسول: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل» (كورنثوس الثانية 12 : 9) ومزيد من الشركة مع الآب ومع إبنه ومع كل الجسد (المؤمنين باسمه) يزداد مجد الرب وتصبح الجماعة كلها للرب لتكون نور للعالم وملح للأرض.
5) كان شريفاً لأنه كان يرفض الشر
«تحفظني من الشر»، العالم من حولنا ليس فيه سوى الأتعاب والمرار فيه شهوة العيون وشهوة الجسد وتعظم المعيشة، وكلها شرور تحيط بالإنسان من كل جانب (جسداً ونفساً وروحاً) لأن الروح يشتهي ضد الجسد والجسد ضد الروح وكلاهما يحارب الآخر، فعلى المؤمن أن يحفظ نفسه طاهراً نقياً «فوق كل تحفظ إحفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة» احفظ نفسك (أمثال 3 : 33) لنكون قديسين وبلا لوم أمامه لأن «اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ الآبِ هِيَ هَذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ». (يعقوب 1 : 27)
6) كان شريفاً لأنه أدرك أن الله هو الوحيد مريح التعابى
«حتى لا يتعبني»، أدرك يعبيص أن الرب وحده هو منبع الراحة والفرح والسلام. وعندما يحفظنا الله من شرور الخطية المحيطة بنا بسهولة، يحق لنا أن نفرح فرح الرب الذي هو قوتنا ونرنم بكل فخر قائلين: «راحتي يارب حقاً … أن لي فيك مكان .. واثق لا أنسى منك .. مهما طال بي الزمان» ونضع أمامنا وعده الصادق الأمين «تعالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم». ( متى 11 : 28)
7) وأخيراً كان يعبيص أشرف من إخوته لأنه وثق في استجابة الرب له
«فأتاه الله بما سأل» كانت كل طلباته حسب مشيئة الله لذلك استجاب له الرب. ومهما سألنا باسمه فهو يسمع لنا. فلتكن لنا ثقة تامة في إلهنا الذي يعطي الجميع بسخاء لذلك نتقدم بثقة لعرش النعمة فننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه (عبرانيين 4 : 17).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى