آراءرأي حر

دعوة إلى القيادة المسيحية (1-2)

الهدى 1211                                                                                                                               يوليو 2019

هناك ندرة خطيرة في القادة في عالمنا المعاصر فهناك حشد من المشكلات يواجهنا فعلى مستوى العالم نجد الترسانات النووية وانتهاكات حقوق الإنسان والأزمات الاقتصادية والتفاوت الاقتصادي بين الشمال والجنوب.
وأما على المستوى الاجتماعي فإن كثيرمن المشكلات الخطيرة التي تواجه مجتمعنا هي مشكلة البطالة وانفجار العنف العرقي وأما على المستوى الأخلاقي فهناك من المشكلات الخطيرة التي تهدد المجتمعات المعاصرة ومنها انهيار المبادئ التي تحكم الزواج والاجهاض والجنسية المثلية وعلى المستوى الروحي فإننا نرى أن أخطر مشكلة تتمثل في الابتعاد عن القيم الروحية التي رسمها الكتاب المقدس.
وهناك عدة درجات من القيادة فهي ليست مقتصرة على أقلية من رجال الحكم فرجال الدين قادة في ميدان العمل الروحي والأباء قادة في بيوتهم وعائلاتهم والمعلمون في المدارس والمحاضرون في الجامعات والكليات وممثلو النقابات في نقاباتهم ومذيعو الاذاعة والتليفزيون قادة في مجالاتهم وجميع هذه المواقف تدعو إلى مزيد من القادة المكرسين والشجعان القادرين أن يؤثروا في العالم.
والسؤال هنا ماهي مقومات القيادة التي يحتاج إليها العالم؟ إننا نرى هناك خمسة مقومات تحكم شخصية القائد الناجح وعمله.
أولاً: الرؤيا.
إن القائد الذي يحتاجه العالم هو القائد صاحب الرؤيا – والرؤيا في مفهومها العام هي إبصار وإدراك تخيلي للأشياء وربط التبصر بالنظر في العواقب-ولكن الرؤيا المقصودة هنا هي عدم رضى بما هو كائن وادراك واضح لما يمكن ان يكون وهذا يعنى ان الرؤيا تتطلب ثلاثة أمور: –
1. وجود فجوة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون أو بلغة أخرى وجود فجوة بين الراهن والمأمول.
2. إن الرؤيا تبدأ بالسخط على الوضع الراهن.
3. إن الرؤيا تنمو وتصبح مطلباً جدياً كبديل عن الوضع الراهن وفي خدمة يسوع كقائد كان هذا واضحاً تماماً فمن ناحية كان ساخطاً على المرض والموت والجوع ومن ناحية ثانية جاء البديل وهو حنوه على الضحايا التي استهدفتها هذه الأمور فالسخط على ما هو كائن والتعاطف مع ضحايا هذا الوضع الكائن يؤلفان اتحادًا قويًا وضروريًا للرؤيا وبالتالي القيادة.
والقائد صاحب الرؤيا هو شخص لا يقف موقف عدم المبالاة وعدم المبالاة هي قبول ما لا يمكن قبوله أما القيادة فتبدأ برفض مالا يمكن قبوله بصورة حاسمة وقد كتب جورج ول في ديسمبر سنة1981بعد إعلان الحكم العرفي في بولندا قائلاً أن «ما يثير السخط هو غياب السخط» وثمة حاجة عظيمة اليوم الى مزيد من النقمة المبررة أخلاقياً والغضب والسخط على الشرور التي تغيظ الله
والغضب يكون عقيماً إذا لم يدفع إلى عمل إيجابي والتاريخ الكتابي والدنيوي يمتلأن بالأمثلة على الأعمال الايجابية التي قام بها رجال أصحاب رؤيا فمثلاً موسى قد روّع من الظلم القاسي الذي عاناه الاسرائيليون في مصر وذكر عهد الله مع إبراهيم وإسحق ويعقوب وتقوى طوال حياته برؤيا أرض الموعد وسمع نحميا وهو في فارس فوضع الله في قلبه ما يجب عليه أن يعمله فقال «هلموا فنبني .. لنقم ونبني» (نح2: 12، 17، 18) وفي العهد الجديد نرى بولس كانت له الرؤيا بأن يحمل الانجيل إلى العالم الوثني وقد أثرت هذه الرؤيا قلبه فجاهد من أجلها ومات في سبيلها. أما أصحاب الرؤيا هم أشخاص ذوي حس داخلي يؤمنون بأنه يمكن بناء عالم أفضل-إنهم الرواد الذين يحبون كوكبنا ويشعرون بمسؤولية نحو خليقة الله ويتمنون أن يعطوا معنى أفضل لحياة جميع شعب الله.
ثانياً: الكد والعمل.
لا يكفي أن يكون القائد صاحب رؤيا بل يجب أن يضاف الى هذه الرؤيا الكد والعمل فالكد والعمل سمة مميزة لتاريخ القادة العظماء-لم يكن كافياً أن موسى يحلم بأرض تفيض لبناً وعسلاً بل كان عليه أن يدخل ميدان العمل ويقود الشعب ولم يكن كافيًا أن يكون لنحميا الرؤيا لكي يبني المدينة المهدّمة، لكن كان عليه أن ينزل المدينة ويجمع المواد اللازمة لبناء السور والأسلحة اللازمة للدفاع عنه. إنّ صاحب الرؤيا لن ينجح مالم يدمج مع رؤياه الكد والعمل.
ثالثاً: المثابرة.
من المؤكد أن المثابرة صفة ضرورية للقيادة فحيث يوجد العمل توجد الصعاب وحيث الكد توجد المقاومة فحالما تأخذ الحملة مجراها تحتشد قوى الرجعية محاولة تعطيل العمل ويحصن أصحاب الامتيازات مواقعهم وهنا فإنّ الذين لا يمتلكون المثابرة سوف يستسلمون بالطبع والثوريون يفقدون مثاليتهم عندما تنتهي الثورة ولكن القائد الحقيقي لا يفعل ذلك فإنّ لديه من الحكمة والمقدرة بأن يحول العثرات الى أحجار عبور. ان القائد الحقيقي هو الذي يضيف الى الرؤيا والكد فضيلة المثابرة
يعد موسى في هذا المجال مثلاً مشهوراً في العهد القديم فخلال ما يقرب من اثني عشر مناسبة مميزة تذمر الشعب ضده – عندما بدا جيش فرعون يهددهم وعند مارة حيث أن الشعب لم يستطع أن يشرب الماء لأنه مر وعندما عاد من أرسلهم اليه بأخبار سيئة عن قوة حصون الكنعانيين وعندما تملك الحسد أصحاب العقول القاصرة بسبب مركزه .. ولو كان هناك أي قائد أخر لأستسلم وتركهم ولكن موسى لم ينس أبداً أنهم هم شعب الرب بموجب العهد وأنهم هم الذين سيرثون الأرض.
وفي العهد الجديد نجد بولس الذي واجه معارضة عنيفة ومريرة وكان عليه أن يحتمل كروباً جسدية ففي عدة مناسبات ضرب ورُجم وسُجن كما أنه تألم ذهنياً لأن أنبياء كذبة ناقضوا تعاليمه وشوهوا سمعته لكنه لم ينس أبداً رؤياه حول مجتمع الله المفدى الجديد ولم يتخل عن المناداة به واستطاع أن يكتب في نهاية حياته ان يكتب قائلاً: «جاهدت الجهاد الحسن…» (2تيمو4: 7) لقد ثابر حتى النهاية.
وفي القرون الحديثة لم يكن هناك شخص قد جسد المثابرة أكثر ما جسدها الرب «وليام ولبرفورس» ظل يكافح لمدة ثمانية عشر سنة حتى تم إلغاء تجارة الرقيق.
ويجب أن نشير هنا إلى أن المثابرة ليست مرادفاً للعناد الأحمق فالقائد الحقيقي لا يضيق صدره بالنقد أبداً بل بالعكس فهو يصغى اليه ويقدره ولكنه لا يحيد قيد أنملة عن اقتناعه الأساسي بما دعاه الله للقيام به. أننا نراه صامداً مثابراً مهما تطلب الأمر من تضحيات.

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى