عيد الحب وديانة المحبة
الهدى 1218 فبراير 2020
يحتفل معظم العالم سنويًا في الرابع عشر من فبراير بما يعرف بـ «عيد الحب»، أو ما يسمى أيضًا بعيد القديس «فالنتين»، حيث يحتفل في هذا اليوم المُحبين، الذين يستغلون هذا اليوم للتعبير عن حبهم ومشاعرهم تجاه الآخرين، فيقومون بإرسال الهدايا لمن يحبون.
بدأت قصة عيد الحب خلال العصر الروماني أثناء حكم الإمبراطور كلاديوس، حيث كانت روما تخوض حروبًا طاحنة، وكان معظم الجنود المتزوجين يتكاسلون عن التوجه للحرب، فقرر الإمبراطور منع الزواج بشكل نهائي، كان هذا القرار مُخالفًا لإرادة الله، والمبدأ الذي قرره من البدء: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدهُ..» (تكوين 2: 18)، وهو ما أكَّده المسيح حين قال: «أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟».. «مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.» (متى 19: 4-5)، لذلك وَجَد هذا القرار معارضة شديدة من الكثير من أفراد الشعب وعلى رأسهم القس «فالنتين»، وتنفيذًا للمبادئ الكتابيّة ودفاعًا عن حق الشباب في الحب والزوج، كان «فالنتين» يقوم بتزويج الشباب سرًا، وعندما عَلِمَ الملك بذلك، أمر بسجنه وإعدامه في الرابع عشر من فبراير عام 269م، فأصبح يوم إعدامه عيدًا للحب، وتخليدًا لجهوده وتضحيته بحياته في سبيل الحب.
ويخبرنا البشير يوحنا، أنَّه «هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16)، ويكتب الرسول بولس أنَّ: «اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 5: 8). مات المسيح لأجلنا، لأنَّه أحبنا، وقد كانت أولى وصايا الله للإنسان تدور حول الحب، حب الله، وحب القريب، وحب النفس.
وهكذا أُطلق على المسيحيّة ديانة الحب، أو ديانة المحبة، لأنَّ الله الذي تقدمه المسيحيّة للعالم هو إله المحبة، بل هو المحبة نفسها، يكتب الرسول يوحنا شهادته عن الله المحبة فيقول: «اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ» (1يوحنا 4 : 16).
ومع أنَّ المحبة تبدو صعبة التحقيق في أحيانٍ كثيرة، فقد يقول أحدنا أنه صعب عليه أن يُحب مَن أساء إليه، أو أنَّ هذا الشخص بالذات، أساء إليه إساءة لا تغتفر، أو أن يسأل أحدنا وهل عليَّ أن أحب مَن يكرهني ويُبغضني؟ وربما يحتاج الإنسان إلى أن يُحب نفسه، لأن من يُهلك نفسه قطعًا لا يُحبها، لذا نحتاج أن نعود مرة أخرى إلى الكتاب المقدس لنقرأ وصية الله لنا في مثل هذه المعضلات، يقول المسيح: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (متى 5: 45 – 48)؛ وفي مرة أخرى يربط بين محبتنا لله ومحبة أقرباءنا ومحبة أنفسنا، إذ يجيب على سائله: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ» (مرقس 12: 29-31).
فهل تتذكر في عيد الحب مَن مات لأجلك؟ وهل تُحِبه وتؤمن به حقًا؟ وهل تعمل بوصاياه فتحب قريبك كنفسك، وحتى أعداءك تُظهر لهم محبتك؟ وهل يُمكن أن تُصلي:
يَا رَبُّ أشكرك لأنك أحببتني منذ الأزل، وفي محبتك قدَّمت نفسك لأجلي ومتَ لتمنحني حياة، ساعدني أن أحيا لك، وأبادلك حبًا بحب، وأحب الأخرين كما أوصيتني. أمين.