كريستولوجيا .. ضد المسيح
الهدى 1250-1251 يوليو وأغسطس 2023
وردت الآيات الدالة على ضد المسيح في رسالة يوحنا الأولى وكانت كالتالي:
«أيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ». (١يوحنا ٢: ١٨)
«مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالإبن» (١يوحنا ٢: ٢٢)، «وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ» (١يوحنا ٤: ٣).
كلمة «ضد المسيح» في اللغة اليونانية لها معنيان. يمكن أنْ تعني: ضد المسيح. بمعنى العداوة التي تحفز شخصًا ما أو قوة ما أنْ تقاوم وتعاند المسيح ولكن للكلمة معنى آخر وهي محاولة عن طريق الصراع والقوة أنْ «تحل محل» أو تجعل مِنْ نفسها مسيحًا آخر. وبالتالي فالكلمة تعني المقاوم للمسيح وأيضًا بديل المسيح الذي يحاول أنْ يحل محله. وقد وردت الآيات التي تحدثت عنه في رسالة يوحنا الأولى. ومِنْ خلال النصوص التي ذُكرت عنه نستخلص أفكارًا أساسية وهامة مثل:
هو ينكر المسيح أي يقول عن المسيح أنَّه ليس إلهًا وينكر الآب والإبن وينكر تجسُّد المسيح وأنَّه كان الكلمة المتجسد في جسد حقيقي هو ضد المسيح ولذلك هم موجودون في كل عصر وسيظل العالم ينجب هؤلاء الذين يقاومون المسيح بسياسات وأفكار وفلسفات وطقوس وعبادات وتعاليم ونبوات …. إلخ ويُظهر يوحنا أنَّ مثل هذه المقاومة في طريقها للزيادة والانتشار. وكلما اقترب موعد مجيء المسيح كلما كثُرت هذه الأمور لذلك سيظل الأمر طالما لم يأتِ المسيح.
مَنْ يكون ومَنْ يقف وراءه؟
إنَّ ضد المسيح ليس واحدًا فقط بل أضدادًا كثيرين للمسيح. فقد ظهر أضداد كثيرون وسيظهر أيضًا وستزداد القوة والانتشار والتأثير كلما اقتربنا مِنْ مجيء المسيح وهذا يشير إلى تعدد وتشعب هؤلاء الأشخاص وهذه الأفكار. وهؤلاء الناس أو الهيئات ينشرون الأكاذيب، ينكرون أنَّ يسوع هو المسيَّا أو المسيح. ويحاولون تشويه العلاقة بين الله وابنه. وهم ينتحلون أيضًا هوية المسيح أو يدَّعون تمثيله. وعندما قال أنَّهم «خرجوا منَّا»، أشار بذلك أنَّهم حادوا عن تعاليم الكتاب المقدَّس الحقة. كما أنَّهم كانوا موجودين حين كتب يوحنا رسالته في الساعة الأخيرة التي يُرجَّح أنها إشارات إلى الفترة الأخيرة مِنْ عهد الرسل. وهذا يعني أنَّ الأنبياء الدجالين والمرتدين كانوا موجودين فعلًا ويسعون جاهدين لإضعاف الجماعة المسيحية في القرن الأول. لذا فإنَّ كل مَنْ نشر الأكاذيب الخبيثة عن يسوع المسيح وتعاليمه انطبقت عليه عبارة “ضد المسيح». ووصفه «بابن الهلاك» يكشف بوضوح رأي الله فيه. ضد المسيح بالنسبة ليوحنا كان معاصرًا له وموجودًا في أيامه فقد تكون أفكار كالأفكار الغنوسية التي أنكرت التجسُّد لأنهم يعتقدون أنَّ المادة شر. ويمكن أيضًا أنْ يكون شخص بل أشخاص كثيرون ضالين ومضلين وكانوا معاصرين لكنه أيضًا لا يستبعد ظهورهم بكثرة وبقوة في المستقبل.
يقف إبليس وراء كل مَنْ يقاومون المسيح وعمله ويضل قلوب وعقول الذين لم تتشبع عقولهم بالحق الكتابي بل بسهولة ينخدعون وراء كل ما هو برّاق وخادع «الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ» (٢تس٢: ٩). فإبليس يمكن أنْ يظهر كملاك نور ويحاول أنْ يضل ولو أمكن المختارين. فهو المحرك الأساسي لضد المسيح وأمثاله على مدار التاريخ وأيضًا المستقبل.
توقيته ومستقبله
هل يتحدث يوحنا عن حدث في أواخر الأيام أم يتحدث عن الأيام التي كان يعيشها في ذلك الوقت؟ هل هو حدث ننتظره في المستقبل أم أنه واقع كان في أيامه؟ لقد تحدث ووصفه ولكنه قال “قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ”. إنَّه علامة مِنْ علامات الأيام الأخيرة وهي الفترة التي تقع بين مجيء المسيح الأول والثاني. وهو موجود في العالم حتى في أيام يوحنا الرسول في القرن الأول الميلادي. وكان موجودًا بشكل ما حينها حيث يظهر في مظاهر كثيرة مِنْ الأفكار والفلسفات والبدع التي انتشرت حينها وهي كثيرة وكثيرون تحولوا إلى جنود وهبوا أنفسهم لأفكار وتعاليم خاطئة حاولت تشويه صورة المسيح عند الناس وأنكروا ألوهيته وقللوا منه كأنَّه ليس إلهًا مساويًا للآب. بل وحاربوا فكرة التجسُّد وقالوا أنَّ المسيح لم يحل في جسد لأنَّ المادة شر وحاشا لله أنْ يتهادن مع المادة لأنَّه يرفض الشر ولذلك فالمسيح لم يكن له جسد حقيقي. وأنَّ ملء اللاهوت لم يحل في هذا الجسد. وأفكار عديدة حاولت ليس فقط تشويه الحقائق الكتابية بل أيضًا تقاوم المسيح في محاولة لأخذ مكانه. وهذا أنتشر ليس في تعاليم بل في أشخاص يقاومون المسيح محاولين أنْ يأخذوا مكانته.
وذلك يدل على أنَّه لا يتحدث عن أمر خاص بالمستقبل البعيد بل لقد كان أنذاك ليس فقط ضد بل أضداد كثيرون للمسيح فليس الأمر يخص المستقبل فقط بل يخص الواقع المعاصر له ولنا وسيظل معاصرًا لكل الأجيال القادمة لأنَّ وجوده هو سمة الأيام الأخيرة والتي تمتد ما بين مجيء المسيح الأول ومجيئه الثاني لذا سمعنا ونسمع وسنسمع عن ضد المسيح. فليس هناك ما لم يحدث لكي يأتي المسيح بل سيظل الأمر مُعِدًّا لمجيئه وليس هناك ما يعطله. يقدِّم الكتاب الواقع المرير الذي يتسبب فيه أضداد المسيح لكن عندما يتحدث عن المستقبل الخاص بهم فأنَّه يعطي رسالة طمأنينة وتشجيع عظيمة. فبالرغم مِنْ كل هذا الضجيج إلَّا أنَّه تحت سلطان الرب وللرب قدرة عظيمة على إبادته ودحره بكل قوة. «الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ» (٢تسالونيكي ٢: ٨).
صور أخرى لضد المسيح
١. أشار الرب يسوع في أحاديثه في (متَّى٢٤؛ مرقس١٣) كثيرًا محذِّرًا المؤمنين إلى أنَّه في الأيام الأخيرة «سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة» (مت ٢٤: ٢٤). كما أنَّه كثيرًا ما أشار إلى الشيطان بأنَّه عدو لله وللمسيح «فأجاب يسوع وقال لهم انظروا لا يضلكم أحد. فإنَّ كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين». كما حذَّر المسيح أنَّ إحدى العلامات التي تحدث عند نهاية الأيام وقبيل مجيء المسيح ثانية هي ظهور مسحاء كذبة. “حينئذ إنْ قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا. لأنَّه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا ها أنا قد سبقت وأخبرتكم. فإنْ قالوا لكم ها هو في البرية فلا تخرجوا. ها هو في المخادع فلا تصدقوا”. لذلك فصورة ضد المسيح تتجلَّى في المسحاء الكذبة الذين تحدث عنهم المسيح.
٢. تحدث بولس عن إنسان الخطية “لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابن الْهَلاَكِ” (٢تسالونيكي ٢: ٣) ويراه بولس ويوصفه بنفس معنى ضد المسيح بنفس ما عبَّر عنه يوحنا في تعريفه لضد المسيح إذ يقول في وصفه “الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ”. (٢تسالونيكي ٢: ٤). فهو مقاوم للمسيح وأيضًا يحاول أنْ يأخذ مكان المسيح ويضع نفسه مكانه. ابن الخطية أي الإنسان الذي بلا ناموس أي لا ضابط روحي ولا أخلاقي ولا ديني له بل يفعل كل ما يناقض أي نظام أو ناموس بل ويقاوم كل هذه الضوابط الأخلاقية والدينية والروحية. وقد أطلق عليه أيضًا ابن الهلاك الأثيم المقاوم والمرتفع. وعمله مناقض لعمل ابن الإنسان الذي يتصف بالتواضع والخضوع أما هو فمقاوم ومرتفع على ما يُدعى إلهًا ويعمل أعمالًا وآياتٍ كاذبة وخادعة لضلال الناس وهو يحارب ويناقض كل ما جاء المسيح لأجله ويجر الناس للخراب والدمار والهلاك. البعض قال إنَّه يخرج من اليهود لأنَّه يجلس في الهيكل وبالتحديد مِنْ سبط دان لأنَّ الصفات التي أُطلقت عليه تنطبق على ما قيل عن دان. والبعض قال إنَّه أممي ويقصد به الدولة الرومانية. والبعض قال أنَّه مرتد عن المسيحية ويمثِّل العداوة والشر. وفي الأغلب يشير بولس إلى قوة دينية تقاوم المسيح وكان يشير إلى ارتداد ديني عن الحق والزنا الروحي ومقاومة المسيح بواسطة تعاليم كاذبة وضلالات ومعلمين كذبة ومضللين ومقاومة شديدة للإنجيل وسيترتب على الارتداد الديني إفساد للحق وإصدار قوانين دينية وفرائض مختلفة تخالف تعاليم الكتاب المقدَّس وستحاول النجاح بأكاذيب وخداع وفي الأغلب يكون هذا الأمر مِنْ داخل الكنيسة وليس فقط مِنْ خارجها ويسبب ارتداد عظيم عن الديانة الصحيحة وأتباع الرب ولكن الرب يبيده بنفخة ويبطله بظهور مجيئه. فبالرغم مِنْ إعلانه لنفسه وتمتعه بقوة وسلطان عن طريق الحيل والخداع ووسائل الجذب الخادعة مِنْ عجائب وغرائب وينجح في سرقة القلوب والعقول التي تخلو مِنْ الحق الإلهي والكلمة المقدسة وينجرف وراءه الهالكون. إلَّا أَّنه ينكشف في توقيت إلهي. بولس يتحدث عنه بأنَّه يستعلن، مجيئه وهذا في وقته أي وقت خاص في ترتيب الرب والله هو الذي يحدده ولا دخل للإنسان فيه وتوقيته هو ما بين التجسُّد والمجيء الثاني ويهزمه الرب بكل سهولة برغم شره. “الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا”. (٢تسالونيكي ٢: ٩، ١٠).
٣. الوحش ووصفه في (رؤيا ١٣) تشير إلى النبي الكذاب (رؤيا 13: 16) وهو يرمز إلى الديانة الكاذبة والفلسفة الزائفة ويشبه الخروف في منظره كخروف جميل وجذاب ولكن كلامه يكشف فكره وجوهره وطبيعته فهو يتكلم كالشيطان وبالتالي هو شيطان في ثوب الحق ويتنكر كملاك نور ويرمز إلى كل الأنبياء الكذبة في كل عصر وهناك الكثير مِنْ التفسيرات لهذه الأقوال الواردة في سفر الرؤيا عن الوحش. فالوحش قد يشير إلى قائد ديني يعمل تحت السلطة السياسية وبسبب التشابه بين الوحش الأول الذي له عشرة قرون وسبعة رؤوس، وبين القرن الصغير في الإصحاح السابع مِنْ نبوة دانيال «كُنْتُ مُتَأَمِّلاً بِالْقُرُونِ، وَإِذَا بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ طَلَعَ بَيْنَهَا، وَقُلِعَتْ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْقُرُونِ الأُولَى مِنْ قُدَّامِهِ، وَإِذَا بِعُيُونٍ كَعُيُونِ الإنسان فِي هذَا الْقَرْنِ، وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ» (دانيآل ٧: ٨) ويتحدث يوحنا بخصوص ضد المسيح هو القول: «هنا الحكمة. مَنْ له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنَّه عدد إنسان وعدده ستمائة وستة وستون» (رؤ ١٣: ١٨). يرى البعض أنَّه هو ضد المسيح، بينما يرى آخرون أنَّ الوحش الثاني هو ضد المسيح. ومِنْ الواضح أنَّ كليهما معاديان للمسيح.
ضد المسيح ورسالة للكنيسة
المواجهة الصعبة مع مقاومي المسيح مِنْ أفكار وشخصيات وقوى وحكومات وأنظمة وفلسفات العداوة ليست دائمًا مِنْ الخارج بل أيضًا مِنْ الداخل وهي مِنْ أدعياء التدين وخطورتهم شديدة جدًا. الله يدرك هذه المقاومة ولم يفقد السيطرة عليها ولكن له كل السلطان عليها.
التوقيتات الإلهية محددة جدًا ومضبوطة وهو يضع حدًا ونهاية لكل شيء وهو الذي سيبيد بنفخة كل مقاوميه، صور المقاومة متعددة تختلف في الشكل والمظاهر والطريقة والتوقيت ولكنها تتحد في الهدف وهو إعاقة ملكوت الله وضعف تأثير أعضائه.
النصرة النهائية للرب مهما اشتدت الحرب وطالت فالله ينتصر وكنيسته ستنتصر بنصرته
الاحتياج الدائم لقوة ومعونة ونعمة الله في الحياة للقدرة على صد هجمات إبليس بكل صورها.