كلمات وكلمات .. يناير وفبراير 2023
الهدى 1247 يناير وفبراير 2023
عندما يقترب عيد الميلاد أو الكريسماس تحدث حركة قوية وعميقة عند الأفراد والجماعة بل وفي الطبيعة، فالاحتفال بالكريسماس يأتي في نهاية عام وبداية آخر في جو يملأه الصقيع وتغطي الأرض الثلوج في الغرب والندى في الشرق على الأزهار وفروع الأشجار ويظهر بابا نويل بملابسه الحمراء والبيضاء، وينتظر الأطفال هدايا الميلاد، وترنم السماء والأرض والبحار مع البشرية جمعاء «قد وُلِد المسيح»، ولقد أصبح ميلاد المسيح يسوع ليس فقط عند المسيحيين بل في العديد من دول العالم عيدًا قوميًا، فالأرض تتجدد والزهور تتضح، والأغصان تتمايل، وتكون ترنيمة الميلاد هي النشيد الوطني لكل بشرٍ «قد ولد المسيح هللويا». وميلاد المسيح يعني أنه لا يوجد مستحيل في الحياة فالعذراء تلد بدون جنس أو رجل، والطفل ينتصر على ملوك الأرض، والملائكة والطبيعة والبشر ينحنون أمام معجزة ميلاده العذراوي والتي جعلت الكثيرين أن يحققوا المستحيل في حياتهم، فلا يوجد مستحيل عند الإنسان المخلوق على صورة الله وهناك من يحققون المستحيل وهناك من يعيشون الفشل مجسدًا والسر هو أن الأول آمن بتحقيق المستحيل بالولادة من عذراء والآخرون لم يؤمنوا.
خبرة رعويَّة
نشأت في مدينة ملوي وكانت أسرتي من الطبقة المتوسطة العادية، والتي تطورت مع الزمن سواء مع تعليم أفرادها في الجامعات أو وصولهم إلى أماكن متميزة، في الفترة الأولى من حياتي في إعدادي، ثانوي، جامعة … إلخ كانت كل علاقاتي مع الطبقة المتوسطة، وكان مفهوم الفقر لديّ وأنا شاب يتمثل في العمال في متجر أبي والفراش في الكنيسة وكان أصدقاء عمري بيوتهم معقولة (طبقة متوسطة) أعلى أو أقل، وكان الفقراء المحيطون بنا في المدينة لا يعانون ما يسمي بالفقر المدقع، وهكذا لم يكن في خيالي ما مررت به عندما عُينت بعد تخرجي من كلية اللاهوت في قرية وفوجئت بأسره ثم بأثنين فثلاثة … إلخ كل ما يملكونه حصيرة في منزل بلا دورة مياه ولا صرف صحي، وكان هؤلاء البشر يخرجون باكرًا صبًاحا ليقضوا حاجتهم في ترعة القرية، لقد صدمت بما أطلق عليه «الفقر المدقع»، ولقد تعلَّمت من هذه الصدمة أن هناك بشرًا يعيشون حياة غير إنسانية بالمرة وهكذا كانت المشكلة اللاهوتية التي أقضت مضجعي لماذا يسمح الله بهذا الفقر المدقع مع الأمراض القاتلة؟!
وبعد عدة سنوات استطعت أن أصل بخبرتي إلى أن هناك ضحايا للفقر المدقع وضحايا للجشع، وكذلك ضحايا للكسل وضحايا للغباء، وضحايا للتهور وضحايا للـ… إلخ ولا نستطيع أن نلوم الله ولا البشر المحيطين، بل كل شخص يعاني من الفقر أو الجهل أو المرض … إلخ عليه لا يلوم إلا نفسه ،لأن عدد الذين تمردوا على هذا الفقر والجهل والمرض … إلخ هم الأكثرية ودليلنا على ذلك هو التطور العلمي والفكري والاقتصادي والسياسي في كل العالم على مر الزمان ودليلنا على ذلك – عزيزي القارئ – ما كان في قريتك أو مدينتك وأنت طفل وما حدث لها من تطور خلال العقود الثلاثة الماضية.
حكاية لاهوتية
سأل الطالب الأستاذ إذا كان الله قادرًا على كل شيء فلماذا خلق الفقراء والمعدمين والمرضى؟! ولماذا سمح للبعض منهم أن يغيروا أوضاعهم من الفقر للغني ومن المرض للصحة … إلخ، أجاب طالب آخر هذا الكلام غير واقعي، فالإنسان الغني قرر أن يكون غنيًا واستخدم الوسائط والخطط والطرق التي تؤدي إلى الغنى وهي معروفة للجميع واستخدمها بحنكة وقوة، وبينما أخوه ابن أبيه لم يستخدم هذه الوسائل المتاحة للجميع ففشل، فالله لا يغنى ولا يفقر لأنه لا يظلم نوعيات من البشر ولا يحابي نوعيات أخرى فهو يضع القواعد والذى يسير عليها يصل، ودليلنا على ذلك ـ عزيزي القارئ ـ لاحظ طبقة الأغنياء ستجد من بينهم المسيحي والمسلم واليهودي واللا ديني والملحد والرجل والمرأة والمتعلم والجاهل … إلخ، إنه التوجه الفردي للإنسان مع الاجتهاد والمثابرة والعطاء والفارق بين الواحد والآخر في أي أمر من هذه الأمور كيف يضع الإنسان أهدافه وكيف يحققها على الأرض.
مختارات
كاد المعلم أن يكون رسوًلا.
أحمد شوقي