رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات يوليو 2021

الهدى 1233                                                                                                                               يوليو 2021

  بدأنا الحديث في العدد الماضي من كلمات وكلمات -عزيزي القارئ- عن الثورة التي فجرها يسوع في منظومة العلاقة بين الله والإنسان، ففي العهد القديم وفي كل الأديان الوضعية وغير الوضعية كانت المنظومة: الله –الوصية– الإنسان بمعنى أن دور الله هو أن يعلن ما يطلبه من الإنسان من خلال الوصية والإنسان يُكافأ من الله بمقدار حفظه للوصية، لكن السيد المسيح جاء بتعديل في الترتيب هو: الله –الإنسان– الوصية، وهكذا قدم السيد المسيح الإنسان على الوصية! وهذا مما سبب صدمة وخلاف بينه وبين مفسري ومعلمي العهد القديم، والحقيقة أنه الأسهل على الإنسان ومعه ألمؤسسة الدينية (الهيكل في القديم والكنيسة في الجديد) أن تكون المؤسسة الدينية هي حلقة الوصل بينه وبين الله، فالإنسان هنا لا يجهد نفسه في تفسير الوصية فالذي يُفسر هو الهيكل أو الكنيسة وفي الإسلام المسجد (الإمام)، وعندما يحتاج الإنسان إلى تفسير أو فتوى يلجأ للكاهن أو المعلم والخادم، وما تقوله الواسطة يحققه الإنسان وهكذا يستريح ضميره، لكن السيد المسيح لم يأت ليجعل كل من يؤمن به مفعول به من قيادات الدين، لكن من يؤمن به يكون مسؤولًا مسؤولية مباشرة تجاهه من خلال رؤيته وتفسيره وتطبيقه للكتاب المقدس، من هنا يكون الإنسان الفرد المؤمن هو المسؤول المباشر عن فهمه لله وللكلمة المقدسة، وبالطبع يمكن للراعي أن يُفسر الكتاب المقدس بشكل عام وأن يكون كذلك مشيرًا لمن يطلب ذلك لكن القرار يكون قرار صاحب المشكلة بعد أن ُيقدم له الراعي التفسير الصحيح للكلمة المقدسة، ولا شك في أننا نتفق على أن الوصايا الإلهية هي أساس الطاعة، لكن من السخف أن نتصور الله يقدم لنا مجموعة من الوصايا الجامدة والعبادات كالصلاة والصوم والصدقة…. الخ، ثم يجلس ليراقبنا ولا هدف له إلا إحصاء أخطائنا ومحاسبتنا عليها.
وهكذا تحكم الوصية العلاقة بيننا وبين الله، ولا توجد علاقة مباشرة بينهما، فعلاقة الله بالوصية أنه مصدرها وعلى الإنسان أن يتقبلها، فإن أطاع الوصية بحرفيتها دون تصرف منه فهو عبد الله أما إذا حاول أن يفهم روح الوصية وأن يعمل فكره فيها، كان مضادًا لله، لذلك يقف العبد أمام الوصية صاغرًا، محاولًا تفسيرها وتطبيقها على حالته الخاصة، وفي معظم الأحيان يفشل، لقد حاول اليهود تفسير الوصايا العشر في التلمود وذكروا كل حالة يمكن أن تقع تحت الوصية بتفاصيل غاية في الدقة والغرابة، فهم يحددون المسافة – بالضبط – التي يسيرها المؤمن يوم السبت، ووزن الذهب الذي تحمله المرأة في حُليها يوم السبت … إلخ وهكذا أصبحت الوصية ألف وصية ووصية، ماذا تلبس المرأة؟، كيف تغطى شعرها؟ … إلخ والكارثة هنا عندما تظهر مشكلة غير منصوص عليها في كتابهم المقدس أو التلمود، وهنا يكون المأزق، وعادة يقع السائل ضحية لمفسرين مغرضين فلا يعرف إن كان تصرفه صحيحًا أم خطًأ، وهكذا نفاجأ أننا نتعامل مع كلمات، وليس مع شخص حي تجسد ومات وقام من أجلنا، بل ولنا علاقة يومية معه.
من هذا المنطلق شفي السيد المسيح صاحب اليد اليابسة يوم السبت في المجمع ومن هنا اعتبره قادة اليهود كاسرًا للوصية مستحقًا القتل، لكن السيد المسيح كان يرى أن «السبت للإنسان» وليس «الإنسان للسبت»، فتقدم وشفى الرجل. من هنا – ورغم أننا رجال دين – علينا ألا يغرينا كرسي الفتاوى فنجلس أمام السائل نقول له عليك بفعل كذا وكذا .. إلخ، والنتيجة يستمر شعبنا أطفالًا بدون نمو في علاقتهم بالله جهلاء بالمعرفة الكتابية، لكن كان فكر السيد المسيح أنه علينا أن نترك لصاحب المشكلة ـ وهو قادرـ أن يختار الحل الذي يراه مناسبًا، وهذا هو لب رسالة المسيح، أن يقوم رجال الدين بمساعده الناس للوصول لفكر الله من نحو القضايا التي تشغلهم بأن نحكى معهم ونساعدهم في تحليل الموقف لكن ليس علينا أن نقرر، فصاحب المشكلة هو صاحب القرار.
خبرة رعوية
دخلت كلية اللاهوت عام 1967م وتخرجت في مايو1971م بالطبع بعد الثانوية العامة، وكنت نذيرًا من بطن أمي، حيث أن المولود الأول كان فتاة والثانية فتاة أما الثالث فكان ذكرًا لكنه توفيّ قبل أن يُكمل العام، فصلى والدىَّ إذا أعطاهم الرب صبيًا ذكرًا وعاش سيقدمانه ذبيحة للرب، بمعنى أن يكون خادمًا للرب لكنه مع الأسف جاء بنتًا وكانت صدمة العمر، لكن بعدها جئت أنا لهذه الدنيا ومن بعدي فتاتين فصرنا ستة أبناء، ٥ بنات وولد وحيد، وهكذا كان والدىَّ مصممين أن أخدم الرب لأن كسر النذر يمكن أن تكون نتائجه كارثية من الرب عليهم وعلى الطفل الوليد، بالطبع لم يكن طموحي أن أكون قسيسًا، لكنهم أقنعوني أن أدخل كلية اللاهوت وبعد الانتهاء منها أدخل أي كلية أريدها وفي النهاية يكون علىَّ الاختيار، بدأت بكلية اللاهوت ومن حسن حظى، كان أساتذتي د. القس لبيب مشرقي والقس إلياس مقار ود. القس عبد المسيح إسطفانوس ود. القس فهيم عزيز والقس أمير جيد ود. القس حنا الخضري ود. مرثا روى ود. القس توفيق صالح، والقس إبراهيم عبد الله، وكما ترى –عزيزي القارئ- مجموعة من الأساتذة القساوسة على أعلى مستوى، روحيًا ورعويًا وعلميًا، بالطبع كانت القمة الأكاديمية تتمثل في د. القس فهيم عزيز أستاذ العهد الجديد، وكان متفرغًا للكلية بعد خدمته في جرجا، وكان تقييمه على مستوى العالم الأول أو الثاني في العهد الجديد، وكان الشخص الذي يتبادل معه أو يتنافس معه على المركز الأول دكتور أمريكي (بالطبع نسيت أسمه)، والثاني كان د. القس عبد المسيح إسطفانوس وكان يُدَّرس لنا علم اللاهوت، أما الذي كان لا يقل عنهما علمًا وكان صغير السن فقد كان القس أمير جيد، لكنه توفي بسبب مرض السرطان، وأعتقد أن الكنيسة لم تعوضه حتى اليوم، لأنه كان راعيًا وأكاديميًا مبدعًا في شرح مادته وفي طريقة تدريسه لنا، كان القس إلياس مقار يرعانا كأولاد له ويدعونا في منزله وكانت زوجته السيدة سنية تستضيفنا كأم حقيقية لنا دون تكلف، لم أكن أعيش في القسم الداخلي للكلية لأنه كان لدينا شقة إيجار في جزيرة الروضة وكانت أختاي الأكبر في جامعة القاهرة واحدة في كلية طب الأسنان والأخرى في كلية التجارة حيث لم تكن هذه الكليات قد أسست في جامعة أسيوط، لذلك استأذن أبي عميد الكلية حينئذ د. القس لبيب مشرقي أن أسكن معهما فوافق وقد تنازل والدي عن المبلغ الذي كانت الكلية تعطيه مكافأة شهرية للطلبة، لأن والدي كان صديقًا للقس لبيب مشرقي، وكان د. القس لبيب مشرقي يأتي كل عام ثلاثة أيام النهضة السنوية للكنيسة الإنجيلية في ملوى في العشرة أيام الأخيرة من العام، من هنا كانا أصدقاء وكان لابد في كل مرة يزورنا بالمنزل وغالبًا أسر والدى للقس لبيب أنه في الغالب لن أكمل لأصير قسيسًا فقط أردنا وفاء النذر، هذا هو الجو الذي كنت فيه في الأربع سنوات التي درست فيها اللاهوت. كيف تحوَّلت بعد ذلك دفة حياتي لأكون قسيسًا محترفًا متفرغًا، فهذا ما سوف أتحدث عنه في العدد القادم.
حكاية لاهوتية
كان حديث الأستاذ عن الاختبار الروحي أو الخبرة الروحية مع الله، وكان بالصدفة واحد من التلاميذ قد عاد من خلوة روحية في الصحراء.
سأل الأستاذ التلميذ العائد: كيف تصف الله الذي أدركته وعشته في الصحراء لنا؟! ترى يشبه ماذا؟! ما هو أقرب شيء يمكن أن يشبهه يمكن أن نفهمه من خلاله؟!
قال التلميذ: من المستحيل أن أضع خبرتي مع الله في كلمات، فما اختبرته خبرة روحية في أعماقي ثم التفت إلى زملائه قائلًا: هل من الممكن أن نضع أو نصيغ الحق المطلق في كلمات؟!
وعندما ألح التلاميذ عليه قدم في النهاية وصفًا لما رأى قال: الله نعم اختبرته لكنى لا أستطيع أن أحتويه ولا أستطيع أن أجد له حدودًا واضحة، هل منكم أحد يمكن أن يساعدني؟! قال الأستاذ وهو يجمع حوائجه من كتب وأوراق وأقلام، ما رأيكم يا سادة؟! قال تلميذ موجهًا كلماته لصاحب الخبرة ما قلته عن الله ليس وصفًا لكيان محدد.
قال آخر لقد وصفوا الله بأنه صعب الاحتواء بلا حدود
قال طالب: هل نصل من هذا الحوار أنه كان من الأفضل لنا ألا يتكلم صاحب الخبرة أو كان يجب ألا نسأله؟
أم أنكم توصلتم لمعرفة أفضل عن الله بعد ما سمعتوه؟!
مختارات
قصيدة حكاية حب
أنا والكنيسة حكاية حب
وبيني وبين الكنيسة
عتاب وصفح وشد وجذب
وتجمعنا في الحوار الذكي –
رحابة صدر ..
سماحة قلب ..
وحين أنام على صدرها –
يضئ الوجود.
وتفنى الحدود.
وأنسى العتاب وأنسى الغضب!
فهل تعرفون السبب.
وهل تعلمون لماذا يزول الغضب؟
لأني ..
أنا والكنيسة حكاية حب
وبيني وبين الكنيسة
عتاب وصفح وشد وجذب
وتجمعنا في الحوار الذكي
رحابة صدر
سماحة قلب.
نعيم عاطف
للقصيدة بقية في العدد القادم

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى