آراءرأي حر

لاهوتي … مع إيقاف التنفيذ!

الهدى 1209                                                                                                                               مايو 2019

هل نحن في أزمة لاهوتية حقيقية أم أننا في أزمة فهم لهويتنا الإيمانية؟، هل لدينا من الأساس لاهوت خاص بنا نستطيع من خلاله صياغة الإيمان أم أننا تائهون في دوائر الماضي غير المطلع عليه والحاضر غير الشاعرين به والمستقبل غير الواضح؟
بكل بساطة وعمق نحن نريد لاهوتًا يشرح إيماننا، وعقيدتنا التي تربطنا بالله في واقع حقيقي يتفاعل مع تحديات العصر ويدمجنا في هذه الحياة. لاهوت يفسر كلمة الحق بالإستقامة. يخرج من الإفتراضية كي نعيش في صراع مقبول به ثوابت إيمانية نستطيع من خلالها إدراك المتغيرات والتعامل معها. لكن ما أراه اليوم هو زعزعة للأساسات؛ لا توجد ثوابت constant، أصبحت المعادلة equation كلها متغيرات variables دون ثابت فلا يمكن أن تهتز أركان الإيمان، فالكلمة ليست ثابتة، حقائقها لم تعد حقائق، والمسيح نفسه لم يعد كما عرفناه في إيماننا، فحياته، لم تعد حياتنا، ومعجزاته لم تعد معجزات، صليبه وموته وقيامته. حت الله تعالى غاب عن البعض ولم يعد له وجود.
ماذا نريد؟ هل نريد منطّقة الإيمان؟ أم إخضاعه للعلم؟ هل نريد حل المعادلة الإيمانية اللاهوتية دون أن نفرض ثوابت كما بالمعادلات الحسابية؟ في الحقيقة لن نصل سوى لتشتيت البسطاء وتناطح العلماء.
لذلك علينا أن نقر أن هناك أزمة في فهم تراثنا الإيماني، وعدم إدراك تحديات الحاضر، والمخاطرة بالمستقبل الإيماني.
أمام محاولات فردية غير مدروسة لوضع فكر لاهوتي متسق منظم مع المنطق والعلم. تكمن الخطورة حيث أن هذه المحاولات لا تتجاوب مع الواقع ولا تحاور إنسان الكنيسة أو حتى إنسان الشارع بل تصدمه وتزعزع إيمانه بل وتقضي عليه. جميل أن نفكر كأفراد ولكن لأبد أن هذا الفكر يقود جماعة تناقشه وتفهمه تقبله أو ترفضه بالحجة والحوار.
ولا أعلم من أين بدأت مشكلة الخطية الأصلية، والوحي، وقصة الخلق، وآدم وحواء، والسقوط وغيرها؟ ربما كانت مستترة بين ثنايا وتلافيف عقل مظلم، ربما كانت مستترة في خوف المواجهة والتكفير؟ لكنها خرجت تلك القضايا وغيرها، والتي بدأنها في كلية اللاهوت في سجالات بلا إجابات، بلا نهايات. درسنا الكثير وتعلمنا وتطور مفهومنا عن الكثير من الموضوعات، لا أريد للكلية أن تقوم بدور المفتي وخصوصًا أن بها تنوع كبير في الفكر؛ أساتذة وطلبة، ولكن أطالبها بأن تقف على أهم القضايا وتُدّرسها بشكل واضح على الأقل بالنسبة إلى طلبة القسم الصباحي.
في حين أن الشعب يطالب القس بأن يجيب بوضوح واختصار دون عرض القضايا أو حتى وجهات النظر، يريد إجابات على اسئلة لاهوتية شديدة التعقيد دون جدال أو نقاش. ومن هنا تعددت الأتجاهات التي سلكنها للبحث عن إجابات لا عن قناعات. ولا نستطيع هذه المرة أن نعديها بلا اجابات أذ نحن مطالبون بإجابات متزنة للإيمان وحياة.
ومعظم القسوس لم يتطرقوا لتك القضايا من قريب أو بعيد، لم نشرحها، لم نعلمها وسامحوني في حقيقة الأمر فنحن في الاساس لم نفهمها ولم نبذل أي جهد حقيقي في دراستها. والأزمة هنا أزمة مُعلم لم يتعلم كي يُعلم؛ فترك الساحة لكل من هب ودب ليكون لاهوتي بديلًا عنه. تلك الفئة من القسوس لم تكّون فكرًا متسقًا أو متكاملًا عن أبسط العقائد الإيمانية التي ذكرنا البعض منها سابقاً. لم تمتلك خريطة إيمانية فكرية متناسقة متكاملة، فلم تُحسم قضايا لاهوتية كثيرة مثل الخلق، السقوط، الخطية الأصلية، الاختيار، الشياطين … الخ. وعندما يتساءل الناس تُجيبهم بما يراه الناس، بما يجعل المركب تسير بلا تعسير أو تيسير أو تفكير. فأصبح لاهوتهم من الأخر «كبروا دماغهم، أنا مش لاهوتي» إذاً من هو اللاهوتي، هل أخذنا رخصة ولا نستطيع القيادة؟ هل تخرجنا من كلية اللاهوت دون لاهوت؟
وهناك فئة أخرى لاهوتها وإيمانها فردي، حيث صنعت لأنفسها أبوابًا تفتح بمفاتيحها الخاصة. لقد بذلوا جهدًا كبيرًا في البحث لكن كل قضية منفصلة غير متعلقة بالإيمان المشيخي، أنه لاهوت الإنتقاء؛ فيكون الملك الألفي من مدرسة الأخوة، الشياطين من المدرسة الكارزماتية، الأصوام والعذراء مريم من الأرثوذوكسية والمكان كنيسة مشيخية. هذا الفكر الانتقائي غير المتسق مع ذاته أو مع كنيسته ليرضي جميع الأطراف بلا تصادمات أو مشاحنات. والذي يخلق جيل هلاميًا مترهل الفكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى