عرض كتاب: مسيحيون ومسلمون إخوة أمام الله
الهدى 1076 أبريل 2007
الكتاب: “مسيحيون ومسلمون إخوة أمام الله“
المؤلف: كريستيان فان نسبن
المترجم: أنور مغيث
عرض: القس نصرالله زكريا
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة “المشروع القومي للترجمة” 2006م.
هذا هو الكتاب الذي نحن بصدده الآن، والذي كان موضوعاً للقاء الفكري الذي نظمه برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.
يقعكتاب “مسيحيون ومسلمون إخوة أمام الله“،في 196 صفحة من القطع الكبير، مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، الجزء الأول عبارة عن أربع مقدمات كتبها أربع شخصيات هامة، هم الدكتورة زينب الخضيري، أستاذ فلسفة العصور الوسطى بكلية آداب القاهرة، والمترجم الأستاذ الدكتور أنور مغيث أستاذ الفلسفة الحديثة بجامعة حلوان، والمؤلف بالإضافة لمقدم الترجمة الفرنسية المطران جان لوك برونان، أما الكتاب نفسه فيأتي في جزأين الجزء الأول تحت عنوان: “حكاية خبرة لقاء“، وهو فصل واحد، أما الجزء الثاني وعنوانه: “تحليل شروط الحوار“، ويأتي في خمسة فصول.
وتأتي أهمية هذا الكتاب من كونه شهادة مهمة وعملية عن الحوار الإسلامي– المسيحي، عاشها صاحبها وهو راهب كاثوليكي يسوعي، هولندي الأصل، يعيش في بلد إسلامي، وتخصص في الدراسات الإسلامية، ومن خلال هذه الخبرة الحياتية يقدم في هذا الكتاب رؤية جديدة لما يجب أن يكون عليه الحوار الإسلامي المسيحي، ومن هنا يأتي ثراء التجربة وقيمة الكتاب، حيث أن الكاتب لم ينطلق من مبادئ نظرية بل من غمار تجربة معاشة لينتهي إلى استخلاص مفاهيم وقناعات جديدة تساعد في إثراء الحوار الإسلامي المسيحي.
بدأ الكاتب كتابه بخبرة حياتية يسميها في الفصل الأول “خبرة لقاء”، كانت البداية في موطنه هولندا وهو طفل حينما قرأ كتاباً عن إندونيسيا الإسلامية، التي كانت مستعمرة هولندية في ذلك الوقت، يقول حين قرأت هذا الكتاب شعرت أنني أعيش داخل مجتمع جاوة (إحدى جزر إندونيسيا)، وحين التحق بمدرسة داخلية يديرها اليسوعيون كان أعز أصدقائه إندونيسياً، وهكذا توَّلدت بداخله رغبة للسفر إلى إندونيسيا، وحين دخل كريستيان حياة الرهبنة كان دافعه العمل المرسلي في جزر إندونسيا، وحين جاءته الفرصة بعد محاضرة ألقاها أستاذ هولندي في الإرساليات والعمل المرسلي، يقول كريستيان أمتلأت حماساً للعمل في البيئات الإسلامية، وتحقق الحلم ولم يكن للذهاب إلى إندونيسيا بل إلى لبنان، وهناك تعلم وأجاد اللغة العربية قراءة وكتابة، وقد تأثر في تلك الفترة بالأب أندريه دالفرني، وسماحته وموضوعيته في تناول العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، وبعد هذين العامين أرسل كريستيان إلى مصر للتخصص في الفلسفة العربية والإسلامية، وهنا على أرض مصر توطدت علاقته بالمسلمين، حيث ارتبط بزميل له هو محمود رجب ابن الشيخ الذي تخرج في جامعة الأزهر ثم عمل مديراً عاماً للمعاهد الأزهرية، وقد وضّح كيف أن هذه الأسرة تبنته وعاملته كأبن لها، حتى أنه يُطلق الآن على نفسه “ابن مصر بالتبني”، ولم ينس أن يشير هنا إلى تأثره بالأب جورج قنواتي الراهب المصري الكاثوليكي المتخصص في الدراسات الإسلامية، وهكذا يعدد الأب كريستيان الخبرات التي عمقت العلاقة بينه وبين المسلمين في مصر وبعدها في زياراته المختلفة لكل من إندونسيا والجزائر وغيرها، حتى أصبح الأب كريستيان عضواً مؤسساً وفاعلاً في أكثر من جماعة تشجع الإخاء والحوار الديني، منها جماعة الإخاء الديني 1975 ، لجنة العدالة والسلام 1970، الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي 1995، وغيرها، ومن خلال هذه الخبرة يخلص الأب كريستيان إلى أن: “الروحانية ليست واقعاً نظرياً محلقاً، لكن على العكس هي روح تسري في كل أبعاد حياتنا من الخبز إلى الفن إلى الثقافة والصلاة والعبادة، مانحة قيمة للحياة، وتجعلنا نكتشف أن الإنسان مقدس ومتميز ومتفرد عن سائر المخلوقات، ويلخص خبرته في هذا المجال بالقول: “لقد كان الله حاضرًا في قلب هذه الصداقات، وكم أدركت أن الاتصال الشخصي والصداقة الحقيقية باب واسع لاكتشاف دين الآخر“.
يخرج الأب كريستيان من هذه الخبرة إلى الباب الثاني “تحليل شروط الحوار” وفيه يشرح آليات التواصل والأخوة معاً، فيرى أن اللقاء خطوة هامة وممهدة للحوار، وفي تعريفه للقاء يقول: “اللقاء هو علاقة حراك بين طرفين بمعنى أن كلا منهما يتحرك تجاه الآخر ساعياً إليه“، وعليه فإن أي حوار لا يتأسس على لقاء يكون مجرد لغو كلام، وبعد أن يعدد الأب كريستيان أنواع الحوار، يحدد شروطاً عامة لإنجاح أي حوار، من هذه الشروط الاحترام وهو لا يعني التنازل عما تؤمن به بل احترام حق الآخر في الاختلاف عما تؤمن به، وألا يكون هدف الحوار المقارعة أو الهجوم أو الإقناع، بل الالتزام والموضوعية، والمعرفة الدقيقة الجادة بعقيدة الذات وبعقيدة الآخر، والحرص على إعادة النظر في الأحكام والثوابت، وأهم شرط هو القناعة بأن الإيمان هو الإيمان بالله، أو علاقة الإنسان بالله الواحد، وليس الإيمان بالنسق العقائدي الصارم المتصلب.
بدأ الكاتب خبرته في التعرف ولقاء الآخر سواء كان المسيحي العربي أوالمسلم على السواء، وانتهى الكاتب في الفصل الرابع إلى أن المسلمين والمسيحيين هم قبل كل شئ مؤمنون بالله، بالرغم من اختلاف المفهوم الإيماني عن الله عند كل فريق، لكن في الفصل الخامس وعنوانه “معاً في المجتمع” يدعو الكاتب إلى كسر دوائر الاتهامات المتبادلة وتأسيس قاعدة من الثقة التي تسمح بالصراحة التي تنبذ كل المخاوف لبناء مجتمع إنساني يخدم الإنسان الذي هو صورة الله.
قد لا يكون الكتاب قد قدم حلولاً جاهزة لعلاقة المسلم والمسيحي، لكنه قدَّم طرحًا جديدًا يدعونا إليه ويراهن عليه: “أن الحب كرابط للعلاقات أقوى من القانون والأيدولوجيات.