كلمات وكلمات أغسطس 2021
الهدى 1234 أغسطس 2021
تعد الأخلاق عنصرًا أساسيًا من عناصر وجود المجتمع وعامل بقائه، بل ومقومًا جوهريًا من مقومات كيانه وشخصيته، فلا يستطيع أي مجتمع أو جماعة (كنيسة) أن يبقى ويستمر دون أن تحكمه مجموعة من القوانين والقواعد التي تنظم علاقات أفراده بعضهم ببعض وتكون لهم بمثابة المعايير المعتمدة في توجيه سلوكهم وتقويم انحرافهم، لذلك فقد توافق المجتمع رغم اختلافات الأفراد والجماعات فيه على أهمية الأخلاق ودورها في تحقيق السعادة الدنيوية والأخروية، ومن أهم وأسمى الاخلاقيات التي أعلنت على مدى التاريخ الإنساني كانت الأخلاقيات التي أعلنها السيد المسيح ومارسها وطبقها مع تلاميذه وأتباعه على أنها تنظم العلاقة بين الإنسان والله وبين الإنسان وأخيه الإنسان وقد وضح الرب يسوع ما يقصده بالخير والحب والسلام وما يقصده بالشر بدقة شديدة. سواء عن السارق أو القاتل أو الزاني… الخ. ولقد تصدرت هذه القِّيم المسيحية حيزًا ضخمًا في حياة الكنيسة منذ نشأتها وبالتالي شغلت مساحة عريضة من بحث المفكرين والفلاسفة المسيحيين وغير المسيحيين فقد اهتم السيد المسيح في وصاياه بالجوانب السياسية والاجتماعية وهي تعتبر من جميع الفلسفات وعلوم الاجتماع والعلاقات من أسمى الوصايا وأرفعها حتى عند اللذين لا يؤمنون بالمسيح أو المسيحية ولقد تحدث أكثر من فيلسوف غير مسيحي أو لاهوتي مسيحي عن وصايا المسيح، ورأى معظمهم أن هذه الوصايا تتضمن عناصر متعددة ترتبط بالشعور والعاطفة، وأن القّيم التى طرقها السيد المسيح كانت ذات تأثير مباشر على سلوك الأفراد وأفعالهم من تلاميذه بل هي في الواقع الدافع وراء سلوكهم الراقي المختلف عن معاصريهم في كل زمان ومكان منذ ألفي عام، من هنا نستطيع أن ندرك علميًا أن القيّم هي إنعكاس للإسلوب الذي يفكر به الأفراد في ثقافة معينة، وفكر بعينه وفي فترة زمنية معينة كما أنها هي التي توجه سلوك الأفراد، وأحكامهم واتجاهاتهم فيما يتصل بما هو مرغوب فيه أو مرغوب عنه من أشكال السلوك في ضوء القواعد والأخلاقيات والمعايير التي أسسها الرب يسوع.
فالقيّم عبارة عن نظام معقد يتضمن أحكامًا تقويمية إيجابية أو سلبية يستقبلها الملتزم بها أو الذي أعلن خضوعه لها، فالقيم تعكس أهداف الإنسان واهتماماته الذاتية كما تعكس حاجات النظام الثقافي والإجتماعي والديني الذي يعيش فيه، ووصايا السيد المسيح تعلن الغاية من رسالته إلى كل فرد يؤمن به، وهي تقوم على أساس أن الله لم يخلق الإنسان عبثًا، وإنما خلقه لغاية وهدف محدد ومعلوم وأرسل السيد المسيح نموذجًا متكاملاً حقيقيًا وفاعلاً لمنظومة الاخلاق التي يريد من الإنسان أن يعيشها ويتبناها، لذلك قال لتلاميذه: «الأعمال التي أنا أعملها تعملونها وتعملون أفضل منها»، وهذه الأعمال والوصايا هدفها ومركزها تحقيق السعادة للإنسان هنا في الدنيا وفي السماء، ففي الدنيا ترشده هذه الوصايا وحضور المسيح معه إلى السمو والرفعة الاخلاقية ليتخذ قرارات حاسمة في علاقته مع الله والذات والآخر وكيف تترجم هذه العلاقة مع الله في المسيح إلى نفع وفائدة وصلاح وسعادة وراحة لكل من يعيشها ويمارسها، حيث المسيح الله الظاهر في الجسد نموذجًا عمليًا واضحًا لكيف يكون الإنسان وكيف يحكم على الأشياء والأعمال فالعلاقة مع المسيح ليست مجرد شعور عاطفي متمركز في الضمير ولا حتى مجرد شعائر تعبدية أسيرة للمؤسسة الكنسية لكن تجسد للسيد المسيح في كل إنسان يؤمن به روحًا ونفسًا وعلمًا وأخلاقًا، وهكذا تكون الكنيسة مجتمع المؤمنين معبرة تمامًا عن تجسد الله في المسيح ورسالة لكل فرد أو جماعة.
خبرة رعوية
الخبرات الرعوية في الريف تختلف كثيرًا عن المدينة وتختلف أكثر عن القاهرة، فالرعاية في الريف تتميز لكن في نفس الوقت يُعتبر هذا التميز عيبًا في بعض الأحيان، فالميزة في الريف أنهم قريبون من بعضهم البعض والغرباء عن البلد قليلون، لذلك يجد القسيس نفسه يرعى عائلات وليس أفرادًا مثل كنائس المدينة رغم أن المدينة أيضًا بها عائلات، لكن الرعاية في المدينة شخصية، أما في الريف فهي جماعية أو عائلية لأن العلاقات متشابكة والأحداث الناجحة أو الفاشلة تضرب أكبر عدد من البشر لأنهم قريبون من بعضهم البعض سواء بحسب القربى أو النسب ، أو بحسب الجار والبلد … إلخ ، وبالطبع هذه ميزة وفي نفس الوقت عيب، بينما في المدينة يمكن أن تعالج أعضاء الكنيسة كأفراد وتشعر أن بينهم وبين بعضهم البعض مسافات ضخمة رغم أنهم يعملون في نفس الكنيسة وقريبون جدًا لبعضهم البعض في الخدمة سواء كانت روحية أو إدارية لكن صداقتهم لا تخرج عن حوائط الكنيسة، وإن خرجت تكون في مناسبات سنوية، فما أبعد الفارق بين الخدمة في الريف من ناحية والخدمة في المدينة (المراكز والمحافظات) من الناحية الأخرى، والخدمة في القاهرة من ناحية أخيرة، والفارق العام بين الخدمة في القاهرة والخدمة في المدينة والخدمة في الريف هو في مدى عمق العلاقات والتشابكات، والتعاون مع بعضهم البعض، لكن ما لاحظته خاصة وأنا خدمت في الثلاثة أماكن أن ما ذكرته من فروق أعلاه صحيح مائة في المائة ، لكن ينقلب الحال وتصبح أكبر الكنائس في أكبر المدن العاصمة أشبه بالريف والصعيد الجواني، ذلك عندما تقع مشكلة فيها رائحة الانحراف الأخلاقي سواء للقسوس أو القادة العلمانيين، هنا لا تختلف كنائس القاهرة عن كنائس المحافظات والمراكز بل وكنائس الريف، والجميع يتحدث بالساعات في التليفون لمعرفة تطور الأحداث، وتكثر الفتاوى من الإسكندرية شمالًا إلى أسوان جنوبًا ومن البحر الأحمر شرقًا إلى الوادي الجديد غربًا.
ولك الله يا كنيسة، وسلام عليك يا من أخطأت ويا ويلك يا من نجحت وتميزت.
حكاية لاهوتية
في معظم الكنائس خاصة في الريف يدخل إلى الكنيسة الكثير من القطط، وأحيانا الكلاب، لذلك على الفَّراش أن يُمسك عصا على الباب ويمنع الكلاب والقطط من الدخول، لكن إن كان ينجح في طرد الكلاب إلا أن القطط بسبب حجمها ومرونتها، وأرجلها التي لا تصنع ضوضاء في السير وقليلًا ما ترفع صوتها بالنونوه، فهي تنجح كثيرًا في الدخول إلى الكنيسة، وأحيانا تجلس مستكينة في نوافذ الكنيسة بلا حركة أو صوت، وأحيانًا تسير على المنبر فيطاردونها، هكذا تتعود القطط على مكان هادئ داخل الكنيسة تحضر فيه العبادة.
من الأمور الغريبة التي لاحظتها في تايلاند، والصين أي جنوب شرق آسيا، وهم يرحبون بالأغراب أن يدخلوا معابدهم ويجلسونهم معهم على الأرض … إلخ، ولأنى سافرت إلى تلك المنطقة أكثر من مرة مثل هونج كونج والصين وسنغافورة، لم أتوقف عن دخول هياكلهم، وفي كل مرة كانت القطط هناك، سألت أحد الرهبان عن سر هذه القطط؟! فحكى لي أنه في الزمان الغابر – بالطبع هذه الحكايات والأساطير من المستحيل أن تعرف أو تحدد متى بدأت – لم يكونوا يسمحون للقطط بحضور العبادة إلا أن قطًة جميلًة هادئًة كانت تأتى للمعبد كل مساء وتسير بين الكهنة والوعاظ أثناء العبادة، وهنا أمر الكاهن أن تُربط القطة أثناء عبادة المساء، وقد تم ربطها قريبًا من الواعظ، وهكذا بقيت القطة تجلس هادئًة بلا صوت على طول العبادة، بعد سنين تعود عليها الجمهور، وفجأة ماتت القطة فأحضروا مكانها قطة أخرى لأن الواعظ والحضور تعودوا علي وجود قطة، بعد مرور قرون على وجود القطة كَتب أحد الرهبان كتابَا عن روحانية القط، أو كما نقول نحن لاهوت القط قال فيه أن القط أو القطة تدخل إلى المعبد قبل العبادة بثواني وتقف بجوار المكان الذى تُربط فيه، ويأتى الراهب البوذي ويربطها، ومن هنا استنتج هذا الراهب أن روح الإله الذى يعبدونه (بوذا) كما يتجسد فيهم ويسكن داخلهم فهو أيضًا من الرقة والمحبة أن يسكن قلب القطة، وهى بالطبع تختلف عن باقي القطط الشرسة، وأنتهى في الكتاب إلى أن دور القطة في العبادة أساسي في كل أماكن ودرجات العبادة … وهكذا كان.
مختارات
أستكمل معكم قصيدة الشيخ نعيم عاطف في حفل تنصيبي في كنيسة شبرا النزهة عام ٢٠٠١م
الكنيسة حبي وفرحتي وسلامي،
عشقي ونشوتي وهيامي،
شغلي وشاغلي واهتمامي،
نبضي وبسمتي وعزائي،
تغريدتي عند الشروق والضحى،
أنشودتي في يقظتي ومنامي،
كنيستي زيتوتني الخضراء
تزهو على أغصانها أيامى
كنيستي قيثارتي في الغناء،
تحلو على أوتارها أنغامي،
فصباحها شمس تطهرني
ومساؤها أم تهدهدني
ولقاؤنا دفء يعانقني
فتطيب تحت جناحها أسقامي
وتبيت في أحضانها أحلامي.
فهل تعرفون السبب؟
لأني
أنا والكنيسة حكاية حب.
وبيني وبين الكنيسة
عتاب وصفح وشد وجذب
وتجمعنا في الحوار الذكي
رحابة صدر
سماحة قلب.
نعيم عاطف