دراسات

الإعلان الإلهي بين الدراما القديمة والميديا الحديثة

الهدى 1234                                                                                                             أغسطس 2021

«وَحْيٌ عَلَى نِينَوَى. سِفْرُ رُؤْيَا نَاحُومَ الأَلْقُوشِيِّ: اَلرَّبُّ إِلَهٌ غَيُورٌ وَمُنْتَقِمٌ. الرَّبُّ مُنْتَقِمٌ وَذُو سَخَطٍ. الرَّبُّ مُنْتَقِمٌ مِن مُبْغِضِيهِ وَحَافِظٌ غَضَبَهُ علَى أَعْدَائِهِ. الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ وَلَكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ. الرَّبُّ فِي الزَّوْبَعَةِ وَفِي الْعَاصِفِ طَرِيقُهُ وَالسَّحَابُ غُبَارُ رِجْلَيْهِ. يَنْتَهِرُ الْبَحْرَ فَيُنَشِّفُهُ وَيُجَفِّفُ جَمِيعَ الأَنْهَارِ. يَذْبُلُ بَاشَانُ وَالْكَرْمَلُ وَزَهْرُ لُبْنَانَ يَذْبُلُ. اَلْجِبَالُ تَرْجُفُ مِنْهُ وَالتِّلاَلُ تَذُوبُ وَالأَرْضُ تُرْفَعُ مِنْ وَجْهِهِ وَالْعَالَمُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهِ. مَنْ يَقِفُ أَمَامَ سَخَطِهِ وَمَنْ يَقُومُ فِي حُمُوِّ غَضَبِهِ؟ غَيْظُهُ يَنْسَكِبُ كَالنَّارِ َالصُّخُورُ تَنْهَدِمُ مِنْهُ. صَالِحٌ هُوَ الرَّبُّ. حِصْنٌ فِي يَوْمِ الضَّيقِ وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ.» (ناحوم 1: 1-7)، عندما نقرأ اليوم جزءً كتابيًا كهذا الجزء الذي يقدم لنا الله كالرب الذي في الزوبعة، فإنه من الطبيعي جدا أن تتولد داخلنا تساؤلات حول هذا الإله وما هي علاقته بالزوابع؟ وماذا يعني ذلك لنا في القرن الحادي والعشرين؟
فإذا أمعنّا النظر هنا فإننا نجد ناحوم يوضح لنا في هذا السفر – الذي موضوعه الأساسي هو سقوط نينوى – ذلك الإله الذي يُظهره السفر ببراعة، ويُظهر صفاته وطبيعة علاقته بالعالم من خلال إثبات قوته، وعدالته، وسلطانه.
وفي الحقيقة لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي تُذكر فيها الزوابع والعواصف مرتبطة بظهورات الرب في العهد القديم، فيصور لنا العهد القديم الرب بأنه الذي يركب السحاب والغمام، وأيضا الذي يركب السماء، ويلقبه الكاتب في (مزمور ٦٨ : ٤) بأنه «الراكب في القفار»، وأيضا يقول إرميا: «ها زوبعة الرب، غيظ يخرج، ونوء هائج على رؤوس الأشرار يثور» (إرميا ٢٣ : ١٩).
وهذه الصور لم تكن غريبة على شعب العهد القديم، حيث كانت الدراما القديمة تصف آلهة الشرق الأدنى القديم بارتباطها بقوة وجبروت البحار والأنهار، وقد وُجد أن البعل في عبادات البعل الكنعانية في أوغاريت كان يُلقب بـ «أمير البحار» أو «قاضي النهر» لكن عندما كانوا يريدون أن يصفوه كملك الآلهة فإنهم كانوا يلقبونه بلقب «راكب السحاب».
لذلك كان لاهوت إسرائيل متأثرًا بتلك الصور، وقد استخدمها الأنبياء وكُتّاب العهد القديم بهدف إظهار يهوه بأنه الإله الحي القدير الأسمى من كل كائن.
لذلك فعندما نتأمل في هذا الجزء نستطيع أن نرى الرب بصفته القادر على كل شيء، والعادل في دينونته، وأيضًا الصالح لأتقيائه.
أولًا: الرب القادر على كل شيء
حيث يصور لنا هذا المشهد قدرة الله الحقيقية في مقابل القدرة الوهمية التي يصورون بها الآلهة الوثنية، وتتجلّى هذه القدرة من خلال مظاهر كثيرة مثل:
١- قدرته على تنشيف البحار والأنهار (ناحوم ١ : ٤) كما نشف بحر سوف ونهر الأردن أمامهم.
٢- قدرته على إثارة السحاب برجليه كالغبار (ناحوم ١ : ٣) كما أثار الشعب التراب برجليه أثناء عبورهم في البرية، وهذا دليل على عظمته.
٣- قدرته على زلزلة أساسات الأرض أثناء حضوره (ناحوم ١ : ٥) «الجبال تُرجف منه».
وهكذا كان يظهر سلطان الله على كل الخليقة من بحار، وأنهار، وجبال، وتلال، وصخور، وكأن الطبيعة كانت المسرح الذي ظهرت عليه القدرة الإلهية.
لذلك عزيزي القاريء هل تثق في قدرته وسلطانه؟ هل تُسلّم له قضيتك التي تشغل تفكيرك ليلًا ونهارًا؟ هل تستأمنه على حياتك وممتلكاتك وأولادك وكل ما لك وتثق أنه يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر؟
ثانيًا: الرب العادل في دينونته
حيث يتضح أيضا من خلال هذا الجزء (ناحوم ١ : ٢ – ٦) أن الله يُظهر عدله في إدانته للخطية وللخطاة، ففي هذا المشهد نرى اقتران عدالة الله بغضبه من خلال مفردات كثيرة يستخدمها النبي ناحوم هنا ليعبر بها عن ذلك مثل: (سُخط، حمو غضبه، غيور).
وقد يبدو أن هناك تناقضًا ظاهريًا بين العددين الثاني والثالث، حيث يقدم العدد الثاني الله أنه ذو سخط، أما الثالث فيقدمه على أنه بطيء الغضب، لكن بالرجوع إلى الأصل العبري نجد أن كلمة «ذو سُخط» تعني أنه سيد على الغضب، وهذا يوضح أن الله يغضب بسبب الخطية لكنه يُبقي غضبه، ويوضح لنا الرسول بولس ذلك في رسالة رومية كالتالي:
١- عن غضبه على الخطية: «لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم» (رومية ١ : ١٨)
٢- عن طول أناته: «أم تستهين بغنى لطفه وطول أناته» (رومية ٢ : ٤)
لذلك عزيزي القاريء هل تظهر مخافة الله في حياتك؟ هل تقدم توبة مستمرة عن خطاياك أم أنك تستهين بغنى لطفه؟
ثالثًا: الرب الصالح لأتقيائه
حيث نجد بعد ذلك الأنشودة الرائعة في (ناحوم ١ : ٧) والتي موضوعها صلاح الرب، فيقول: «صالحٌ هو الرب، حصنٌ في يوم الضيق، وهو يعرف المتوكلين عليه».
فلا غرابة أن يكون الإله القدير صاحب السلطان هو الإله الديّان العادل، وهو أيضًا الإله الصالح لأتقيائه.
فبالرغم من أنه لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، إلا أنه أيضًا الملجأ والأفضل من أي حصن (بحسب الأصل العبري).
وبالرغم أيضًا من أنه يدين الأشرار، وسوف يقول لهم: «اذهبوا عني… لا أعرفكم»، إلا أنه يعرف المتوكلين عليه.
لذلك يقول الكتاب أيضًا: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب» فهل تمتعتَ عزيزي القارئ بطيبته؟ هل ذُقتَ صلاحه؟ هل لديك ما تشارك به الآخرين عن صلاح الرب؟
في الختام يجب أن نعرف جميعًا أن الشعب القديم قد عرف يهوه الرب الذي يظهر في الزوبعة، وفي العاصف طريقه، والسحاب غبار رجليه، هذه هي الطريقة التي عرفوه بها آنذاك، وهذه هي الصور التي صوروه بها بحسب فهمهم، وثقافتهم، وخلفيتهم في ذلك الوقت، وقد تكون هذه الصور غريبة علينا الآن في عصر الميديا والتطور والتقدم العلمي والتكنولوجي في القرن الحادي والعشرين، لكنه «هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عبرانيين ١٣ : ٨)، فهو لم يتغير، بل قد تتغير الشعوب، وتختلف الثقافات، والحضارات من أقدمها إلى أحدثها، لكن يظل هو الله الذي يعلن نفسه للجميع في كل العصور والأزمان بأنه الإله القدير صاحب السلطان، والعادل في دينونته وأحكامه، وأيضًا الصالح لأتقيائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى