الهدى 1221 مايو 2020
لا يوجد منا من لم يختبر يومًا مشاعر الخوف، جميعنا نعيشها، قد يتباين تكرارها وحدتها وردود أفعالنا تجاهها وبكل تأكيد أيضًا ليس كل تصوراتنا عن الخوف صحيحة.
لذا أدعوك عزيزي القارئ إلى جولة سريعة تتعرف فيها على هذه المشاعر بصورة صحيحة حتى يمكن التعامل معها بطريقة حاسمة. ونحو ذلك سأبدأ بالإجابة على سؤال ضروري لبداية صحيحة في رحلة المواجهة.. ما المقصود بالخوف؟؟
الخوف في الأساس هو استعداد أوجده الله في الإنسان ليساعده أن يحمي نفسه. وهو يوجد في الجميع سواء رجال أو نساء، كبار أو صغار. ويتمثل هذا الاستعداد في حالة إنفعالية يشعر الإنسان بها بمستويات مختلفة وبدرجات متعددة حسب نوع المؤثر، فهو إذن بمثابة رد فعل في جسم الإنسان في مواجهة أي شيء يرى أنه يهدد سلامته، وبالتالي يكون إنعدام الخوف ناشئًا أما عن عدم أو قلة الإدراك [لدى الأطفال مثلاً] أو عن نقص في الطاقة العقلية [تخلف الكبار]. وعادة تظهر مشاعر الخوف في أعراض جسمية أو نفسية، وكل ما سبق هو في إطار «الخوف الطبيعي» لكن تزداد المشكلة حدة في وجود نوع أكثر ضراوة وهو ما يطلق عليه «Anxiety» يحمل معاني القلق والتوتر والجزع.
بعد تعرفنا على معنى الخوف أرى إن الانتقال الطبيعي هو أن نتعرف على «أنواع الخوف»، ولقد قسم علماء النفس الخوف إلى نوعين أساسين (١) خوف حقيقي موضوعي (٢) خوف وهمي
الأول هو خوف محسوس يخاف الإنسان فيه من شيء محدد واضح المعالم وبالتالي يتخذ الإجراءات التي تمنحه الحماية والإحساس بالأمان. أما الثاني، وهو الذي يمثل المشكلة الحقيقية.. فينقسم بدوره إلى نوعين أولهما رغم أنه وهمي فعلاً لكن مصدره شيء معين ومحدد وهذا الشيء في حد ذاته لا يخيف، هذا النوع من الخوف يتمثل في ما يعرف «الفوبيا» وهي في الأصل جاءت من كلمة يونانية تصف أنواع المخاوف الخاصة وغير العاقلة مثل فوبيا «الأماكن المغلقة» وفوبيا «الأماكن المتسعة» وفوبيا «الأماكن المرتفعة». وثانيهما فهو من أشياء غير محددة المعالم مثل التشاؤم والخوف من الحسد والفشل والمستقبل المجهول والمرض والشيخوخة وتقدم العمر. ويمكن أن يتسرب إلينا هذا النوع الأخير من الخوف من مصدرين أساسيين (ينشأ منهما مصادر فرعية) الأول «الهشاشة النفسية» وهي في الأغلب نتاج مناخ تربوي أسري غير صحي يشيع فيه لغة التهديد والوعيد وتكثر الأوامر والنواهي والمحاذير، الأمر الذي يقود بدوره إلى ضعف الثقة بالنفس لدى الأبناء. والمصدر الثاني هو «الإعياء البدني» حيث تمارس الخلايا العصبية نشاطها في جسم الإنسان في حالتي اليقظة وأيضًا النوم وفي نفس الوقت تقوم بأدوارها الطبيعية الثلاث- التنبيه والتوصيل والتكيف ومعروف من خواصها أنها متى أصاب المقدرة والنشاط نوع من الضعف فإنه تزداد قوة أدوار التنبية والتوصيل والتكيف، وبالتالي إذا أُصيبت الخلايا العصبية بالإنهاك لأي سبب من الأسباب وقل نشاطها فإنها تنقل، وبصورة أكثر سرعة وقوة، الخوف والتوتر والقلق من خلال قوى التنبيه والتوصيل والتكيف التي فيها إلى كل جسم الإنسان.
بعد هذا الاستعراض -الذي أرجو ألا يكون مملاً- لمعنى وأنواع الخوف لابد أن نتجه إلى كيفية مواجهة الخوف وهزيمته، وحيث أنه من الطبيعي ألا يوجد حلاً وحيدًا، بل تختلف الحلول بين شخص وآخر وتتنوع بين سبب وآخر وهو الأمر الذي لا يمكن تناوله في مقال سأكتفي- وبكل تركيز واختصار- في وضع بعض الأساسيات:
أولاً: لابد أن تعترف مع نفسك أنك خائف فلا تبحث عن شماعات أعذار ولا تهرب من الواقع الأمر الذي يمثل البداية الصحيحة الوحيدة لمواجهة حقيقية فعالة للخوف.
ثانيًا: أمام مشاعر الخوف وبالأخص الخوف من المجهول والمستقبل جزء من المجهول يتجه الإنسان إلى اتجاه من اثنين، الأول هو الاستسلام والانطواء أما الثاني [وهو المطلوب عمله] الاقتحام والتعامل الجاد، فلقد استودع الله في الإنسان الذي خلقه على صورته طاقة كامنة جبارة متى تم تسليمها لعمل نعمته وقيادة وتعضيد روحه القدوس ستتحول إلى طاقة عمل إيجابي وخلاق.
ثالثًا: تيقن دائمًا أن الله معك، وبالتالي الاتكال الواعي والمسؤول على الرب يعطي الإنسان القلب الثابت (مزمور ١١٢: ٥- ٨) والتفكير الإيجابي (فيليبي ٤: ٨، ٩) مع إدراكنا أن معية ورفقة الرب لا تعني تلاشي أسباب الخوف لكن تعني أن مع وجودها أنت تملك بها قدرة المواجهة والانتصار.
عزيزي القارئ، أدعوك الآن لتبدأ رحلة مواجهة مخاوفك ولديك يقين النصرة عليها، وفي الختام اترك معك ثلاث حقائق يقينية من الكلمة المقدسة من نبوة إشعياء ٤٤: ١- ١١، تذكرها حينما تهاجمك المخاوف
أ) الله يعلم: عدد ١، ٢.. الله لا يفاجئ بما تعيشه أو تعاني منه، مقاصد الله أزلية، لديه خطة مباركة لحياتنا ونحن بعد في أرحام أمهاتنا.
ب) الله يهتم: الأعداد ٣- ٥.. الرب يسوع لم يترك تلاميذه يتامى بعد صعوده بل أرسل روحه القدوس ليعيش فينا، يقوينا ويقودنا وينعش حياتنا كل مسيرة عمرنا. فهو ليس فقط يعلم ما نعيشه لكن يعيش معنا فيه.
ج) الله يقدر: الأعداد ٦- ١١.. الرب الإله هو الفادي والملك ورب الجنود القوي القادر وسلطانه شامل وكامل ويستطيع أن ينادي «من مثلي؟»
بينما آلهة العالم غير مجدية، لا تستطيع أن تحقق أهدافها حتى لو كان لها كل مظاهر القوة لكنها بلا فاعلية حقيقية (مزمور ١١٥: ٢- ٨)