دراساتدراسات كتابية

السلام الذي نحتاجه

الهدى 1224                                                                                                                                   أكتوبر 2020

«وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ» (كولوسي 3: 15)
السلام في اللغة اسم مُشتقّ من الفعل سَلِمَ، ويأتي بمعنى الأمان والنجاة ممّا لا يُرغَب فيه؛ فيُقال: سلِم من الأمر؛ أي نجا منه، وبالطبع في ظل ظروف هذا الوبأ الخطير الذي نجتاز فيه هذه الأيام.
وهنا تظهر حتميه السلام ونستطيع أن نري 3 مفاتيح (ثلاث حتميات) للحصول علي هذا السلام:
أولًا: حتميه النظر إلى فوق
ثانيًا حتميه الشكر
ثالثًا: حتميه متانة الإيمان
أولًا: حتميه النظر إلى فوق:
في (كولوسي 3: 1و2) يقول: «فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ الله اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ»
إن ما نراه بالعيان كثيرًا ما يبعدنا عن التطلع الروحي المبارك للرب وطلب الاستمتاع بالعلاقة معه وبسبب التطلع لما نراه بأعيننا نصاب بإحباط مستمر ونشعر بالضيق والتوتر لكن لنا علاج أعظم وهو التطلع لما فوق أي الايمان الحقيقي بالرب والثقة المؤكدة فيه مكتوب: «أما البار فبالايمان يحيا» (رومية 1: 17) كقديسين في المسيح كيف نستمر في روح وحياه القيامة دون الانخداع بما هو في العالم. مكتوب عن ابطال الايمان:
«فِي الإِيمَانِ مَاتَ هؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ.» (عبرانيين 11: 13) «فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه» (كولوسي 2: 6) فمهم أن: نستمر على ما تعلمناه من المسيح و الثبات فيه فلو ملأت محبه المسيح قلوبنا، فإن القلب سيكون ملآن غير قابل أن ينشغل بشيء آخر في الطريق وعلينا أن نثبت فيه علي الدوام.
ثانيًا حتميه الشكر:
«شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّور» (كولوسي 1: 12)، الشكر بدلًا من التذمر يخلق حالة من الارتياح العميق لمسيره الله في حياتك. في رسالة كولوسي يحاول الرسول بولس إن يلفت نظر المؤمنين نحو النظر الي فوق
الرجل الاسترالي المعجزة الذي ولد معاقًا له مشط قدم واحده لكن بلا رجلين Nick Vujicic
قال عن الشكر: «إن كل شيء يعتمد على اختياراتك فقد تختار أن تغضب لأجل ما لا تمتلكه أو تختار أن تكون شاكرًا لأجل كل ما تملك». في (1تسالونيكي 5: 18) نقرأ: «اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ»
والشكر على كل شيء هو سمة المؤمنين الذين إذ يدركون أن الله كلي الحكمة والحب يشكرونه من أجل صلاحه وتدبيره. قد نرى أشياء كثيرة تبدو كأنها ضدنا، لا يمكننا فهمها الأن وإذا رفعنا قلوبنا إلى فوق (كما سبق وذكرنا) وانتظرنا الرب فإننا نحمده ونشكره من أجل أمور كثيرة نحن نشتكي منها الأن. على أن أهم ما في الشكر أنه علاج حاسم لكل أكاذيب العالم وأبليس التي تحاول اقناعنا بعكس ما يريده الله لحياتنا كما أنه قد يحدث استهانه بما عندنا ونبغي ما ليس لنا مع أنه ما نملكه يكفي تمامًا لاحتياجاتنا. الله آمين في تسديد كل احتياج لنا سواء طلبنا أو لم نطلب فهو يعلم يقينا ما نحتاج إليه قبل أن نطلب أو حتى بغير ما نطلب. نقرأ في الموعظة على الجبل ما قاله المسيح:
«لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا» (متى 6: 25- 29).
ثالثًا: حتمية متانة الإيمان
بالإيمان نحصل على مواعيد الله، عالمين أن الضيق ينشئ صبراً، والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يخزي. (رومية 5: 3-5) من المهم أن يكون أول فكر لنا هو ان نشكر الله. هذا الشكر مرتبط بنوعيه ايمان خاصه يصفها بولس بالقول: «فَرِحًا، وَنَاظِرًا تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ فِي الْمَسِيحِ» (كولوسي 2: 5) الكلمتان «ترتيب» و «متانة» اصطلاحان عسكريان فالترتيب يشير إلى دقة النظام والتدبير، فيدرك كل جندي موقعه ودوره. المتانة تفيد الاستعداد العسكري لمواجهة ضربات العدو الخاطفة هكذا يليق بالمؤمن أن يكون جندي المسيح الصالح الذي ينتمي إلى جيش الخلاص.
فالإيمان موضوعه، وغايته التمتع بالمسيح ذاته. وقد نتساءل كيف يمكننا هذا .. فاذا كان الايمان بالفعل هو الاساس فان المسيح هو صخره ايماننا التي لا تتزعزع فلا يوجد أساس أخر غيره
متأصلين ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان» (كولوسي 2: 7)
مُتَأَصِّلِينَ… فِيهِ = التشبيه هنا بالنبات، وهذا له جذور تمتد في باطن الأرض، وكلما كان الجذر عميقًا وقويًا يحصل النبات على المياه فينمو. لذلك كانت دعوة المسيح «أدخلوا إلى العمق». فكلما دخل المؤمن للعمق يصل للمياه (الروح القدس) فيكون غرسًا روحيًا. عندما يكون الإيمان متينا فإن مواجهه كل المواقف ممكنة والتمتع الدائم بالعلاقة مع الرب متاحًا في كل وقت.
أخيرًا:
نعم لنستمتع بسلام راسخ ومستمر علينا التعلق بما فوق بسيدنا ومخلصنا كما ان قلوبنا يجب أن تكون فائضه بالشكر الحقيقي دون أدنى تذمر مع إيمان متين عميق لا يتزعزع.

القس رأفت رؤوف الجاولي

* تخرج في كليّة التجارة جامعة أسيوط 1988م،
* ثم تخرج في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة 1995م،
* خدم في الكنيسة الإنجيليّة في بنها،
* سِيمَ راعيًا للكنيسة الإنجيليّة الثانيّة بالطيبة، سمالوط، المنيا عام 1997م،
* نُصِّبَ راعيًّا للكنيسة الإنجيلية في سيدي بشر قبلي-الإسكندريّة عام 2000م،
* أصبح قسًا مرسليًّا (Missionary Pastor) وسط اللاجئين العرب في لوس أنجلوس 2011،
* يخدم مع عدد من الكنائس المشيخيّة الأمريكيّة في مجال الكرازة والتدريب، له عدد من الكتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى