دراسات كتابيةمقالات

كهنوت أم فوضى جميع المؤمنين؟

الهدى 1183                                             مارس 2017

إن من مبادئ وأساسيات الفكر المُصلح هو مبدأ كهنوت جميع المؤمنين الذي يُعتبر العمود الفقري الذي يقوم عليه كل جسد الإصلاح الإنجيلي. فهذا المبدأ بمثابة الإطار العام الذي يغلف كل الأفكار والمبادئ الإصلاحية لثورة الإصلاح الإنجيلي. فالفكر المٌصلح الإنجيلي من حيث العقيدة والعبادة والنظام الإداري بُني علي أساس مبدأ كهنوت جميع المؤمنين. لذا رأيت ونحن نحتفل بمرور خمسمائة عام على مرور الإصلاح الإنجيلي أنه ينبغي أن نٌلقي الضوء على هذا المبدأ الإصلاحي الذي يٌعتبر من أهم مبادئ الإصلاح لندرك ماهيته في زمن الإصلاح وكيف تم تأصيل هذا المبدأ كتابيًا ولاهوتيًا. وما مدي تأثير ثورات الربيع العربي التي حدثت في عالمنا العربي علي فهمنا وتطبيقنا لهذه العقيدة في كنائسنا اليوم.

نبذة تاريخية

لقد اهتم المصلحون كثيرًا بدراسة الكتاب المقدس بلغاته الأصلية اهتمامًا كبيرًا جدًا، كما اهتموا أيضًا بدراسة كتابات آباء الكنيسة في القرون الأولي. وقد جاءت حركة الإصلاح كنتيجة طبيعية لهذه الدراسات الجادة، وذلك انطلاقًا مما وجدوه من تناقض صارخ بين نصوص الكتاب المقدس وبعض كتابات الآباء من ناحية وما تقدمه الكنيسة من تعاليم وممارسات من ناحية أخري.[1] حيث حرمت كنيسة القرون الوسطي على الناس التفكير الحر، حتى قيل إنها في خلال الأربعين سنة التي سبقت الإصلاح الإنجيلي أحرقت نحو 1300 شخصًا بتهمة الهرطقة. وقد كانت الهرطقة في مفهوم الكنيسة أنذاك هو أن يتساءل الإنسان في سلطة الكنيسة التي أقحمت نفسها في كل شؤون الحياة المختلفة وخلطت بين الدين والسياسة. [2]

وقسمت الكنيسة شعب الرب إلي جماعتين، جماعة أٌطلق عليها اسم ” الإكليروس” وهم الكهنة وجماعة أخري أٌطلق عليها “العلمانيين” وهم الشعب، لدرجة أنها علمت أن المسيحيين لا يمكنهم كأفراد الاقتراب من الله إلا من خلال الكاهن، وعلت من سلطة الكاهن فأصبح الكهنة في منزلة خاصة قاربت على التآليه. فكانوا وسطاء بين الله والناس , ولهم قوة أن يمارسوا الأسرار , ويحلوا من الخطايا . وأسسوا نظاما محكما للأسرار ليوزعوا نعمة الله على الناس. وقد عارض المصلحون هذا النظام تماما لأنهم وجدوه غير مطابق للنصوص الكتابية وأن هذا الفكر هو وليد فكر بشري واستحسان إنساني. حيث وجدوا بالعودة للكتاب المقدس أن كل شعب الرب هم نصيب الرب (تث 32: 9، أف 1: 11). وأن كل مؤمن يقوم بدور الكاهن لغيره من المؤمنين بأن يشجع الآخرين وينذرهم للسلوك في المحبة والأعمال الحسنة (أف 5: 19، عب 10: 24-25). كما أن الكنيسة قسمت المؤمنين لفئتين الأولي فئة خاصة ويطلق عليها “القديسين” واختص بها الأساقفة وبقية الكهنوت، والفئة الأخري هم مؤمنين عاديين لذا وجد المصلحين بحسب كلمة الله أن كل مؤمن يلقب قديس بحسب ما قاله بولس الرسول في مقدمة أغلب رسائله (في 1: 1). لقد جاهد مارتن لوثر لإثبات كهنوت جميع المؤمنين وأن السيد المسيح جعل جميع المؤمنين ملوكًا وكهنة وكتب يقول: كل المؤمنين كهنة ولتكن لعنة أن يصرح أحد بأن هناك كاهنًا آخر سوي المسيحي المؤمن، فإن تصريحًا كهذا لا تدعمه كلمة الله، ولا يقوم إلا على كلام الناس، أو على التقاليد البالية، أو الجموع التي تعتقد كذلك.[3]

الكهنوت في العهد القديم:

وردت كلمة كاهن أكثر من 700 مرة في العهد القديم. وفي اللغة العبرية هي ” كوهين” ومعناها ” رئيس ومرتفع”، وتعني أيضًا الوقوف. فالكاهن يأخذ وضع الوقوف أمام الله كخادم، فهو يقف أمام الله كجسر (كوبري) بين الناس والله. كانت هناك ثلاث وظائف كهنوتية: 1) رئيس الكهنة، 2) الكاهن. 3) اللاوي. ولكل رتبة من هذه اختصاصاتها.[4]

لقد افتدي الرب الأبكار في أرض مصر، بالدم المرشوش على القائمتين والعتبة العليا، لذلك طلب أن يُكرس ويُخصص له الأبكار، ثم رتب الرب أن يأخذ سبط لاوي بدل أبكار الشعب. وقصد الرب أن تكون خدمة الهيكل قاصرة على هذا السبط (عدد: 3: 40، 45). ويبدو أن هذا كان مكأفاة للسبط لأنهم استجابوا لموسى بعد أن عبد بنو إسرائيل العجل الذهبي (خروج 32)، (تث 10: 8).  وهكذا صار نظام الكهنوت. كان قصد الرب من اختيار شعب اسرائيل قديمًا أن يكون الشعب كله ملوكًا وكهنة، لذلك يقول: ” فالأن إن سمعتم لصوتي، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل” (خر 19: 5، 6).[5]

إن الكاهن في العهد القديم هو إنسان مختار من الشعب، معين للوساطة بينهم وبين الله، وللاقتراب إليه عنهم، ولتقديم ذبائح كفارية، وللشفاعة في الخطاة. ولم تأذن الشريعة الموسوية للشعب أن يقتربوا من الله، وسمحت بذلك للكاهن فقط، ولاسيما رئيس الكهنة الذي كان يدخل إلي داخل الحجاب بالدم الذي كان يقدمه عن نفسه، ثم عن خطايا الشعب. مرة واحدة فقط في السنة في يوم الكفارة العظيم. وكل ذلك تمثيلي ورمزي، لأن الكهنة واللاويين كانوا رموزًا والمسيح مرموزًا إليه. وكل ما كان رمزًا في وظيفتهم وأعمالهم تم فيه. هم كانوا الظل وهو الحقيقة، وهم علّموا الشعب الطريق التي ستُتنزع بها الخطية وهو نزعها بالفعل. لم يكن كهنة العهد القديم كهنة بالحقيقة إلا من حيث وظيفتهم الرمزية.[6]

الكهنوت في العهد الجديد:

كان الكهنوت في العهد القديم بالوراثة فالكاهن يولد ولا يُعين مهما كانت قدرات الشخص فالذي ليس من سبط لاوي لا نصيب له في الكهنوت إلا أن رئاسة الكهنوت انتقلت للمسيح وهذا هو الموضوع الرئيسي لرسالة العبرانيين (عب 3:1، 4: 14، 7: 14) بالرغم من أن المسيح يسوع لم يكن من سبط لاوي، لكنه كان نجارًا جليليًا متواضعًا من سبط يهوذا فيه تحقق كهنوت ملكي صادق (عب 7: 1-25). فالمسيح أنهي كهنوت العهد القديم وأسس وساطة أبدية بين الله والإنسان. فالمسيح هو التحقيق الكامل لكهنوت العهد القديم. ونتيجة طبيعية لكهنوت المسيح في العهد الجديد صار كل مؤمني العهد الجديد كهنة وهذا لا يعني استغناءنا عن وسيط فالمسيح هو وسيطنا، فهو الوسيط الواحد بين الله والناس (1تيمو 2: 5). لكن أيضًا هذا يعني أننا لا نحتاج إلى وسيط بشري (1بط 2: 5 – 9)، (رؤيا 1: 6، 5: 10).[7]  لذلك يمكننا أن نلخص في نقاط، ماذا يعني لنا كهنوت جميع المؤمنين الآن؟[8]

  • يعني نهاية الوساطة البشرية بين الله والناس (1تيمو 2:5، عب 7: 27، عب 10: 10، 14).
  • يعني أن كل المؤمنين بالمسيح ملوكًا وكهنة (رؤيا 1: 5، 6، 5: 9، 10، 1بط 2: 9، 10).
  • يعني التقدم مباشرة إلي الله (عب 10: 19 -21).
  • يعني تقديم الذبائح الروحية للرب (عب 2: 15، 10: 10-14، 1بط 2: 5).
  • يعني انتهاء زمن الذبائح الحيوانية (عب 9: 23 -28، عب 10: 1 – 18).
  • يعني تقديم كلمة الله للعالم (1بط 2: 9).
  • يعني أنه لا يوجد عاطلين في ملكوت الله فكل مؤمن عليه مسئولية الخدمة والكرازة بالإنجيل (مت 28: 16-20).
  • يعني انتهاء تقسيم شعب الرب إلي إكليروس وعلمانيين، بل الجميع سواء أمام الله (غلا3: 26 – 29).
  • يعني أن كنيسة المسيح التي اقنتاها بدمه هي كنيسة الشعب، وليست كنيسة فئة خاصة (رؤ 1: 5 -6).
  • يعني أن المساواة في القيمة أمام الله لا يلغي تنوع الأدوار، والنظام والترتيب في الخدمة الكنسية (أفس 4: 11 -12).
  • يعنى أن المساواة في القيمة أمام الله لا يلغي ضرورة الخضوع والطاعة في الرب للقيادات الكنسية المٌرتبة من الله (عب 13: 7، 1بط 2: 13).
  • يعني مركزية ووحدة الكنيسة، ولا تعني بتاتًا تلك الفوضي التي تنهش في جسد الكنيسة اليوم، وتحاول تقسيمه إلى أشلاء (أفس 4: 1-16).

والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا ما هو ما هو دور القسيس في الكنائس الإنجيلية المٌصلحة؟

لم يصف العهد الجديد أي عضو أو قائد كنسي بأنه ” كاهن”، وبنفس القدر لم ينكر العهد الجديد حقيقة وضرورة ووجوب القيادة الكنسية والرعوية والتفرغ للخدمة الدينية في الكنيسة. فكل خدام الدين في العهد الجديد لقبوا بألقاب كرامة مناسبة لهم مثل “أساقفة النفوس” و” رعاة” و”معلمين” و”قسوس” و “خدام الله” و “وكلاء أسرار الله” و “نظارًا” ولكنهم لم يُسموا البتة ” كهنة”. وأيضًا لم ينسب العهد الجديد أي عمل كهنوتي لخدام الدين المسيحي، فلم يقل الإنجيل أبدًا إنهم يتوسطون بين الله والناس، أو إنهم يقدمون ذبائح عن الخطايا، أو إنهم لهم سلطانًا على الشفاعة يتفردون به على غيرهم من المؤمنين. بل نص العهد الجديد على أن جميع المؤمنين بالمسيح هم يمنزلة كهنة، لهم حق القدوم بواسطة المسيح إلي الله الذي جعل جميع شعبه ملوكًا وكهنة لله.[9]

القسيس: وظيفة كنسية تُعطي لراعي الكنيسة في الكنائس الإنجيلية المُصلحة، ولا تُعد رتبة كهنوتية، فالكنائس المصلحة تؤمن بكهنوت جميع المؤمنين، والقسيس هي خدمة (دور) تنظيمية من الناحية الإدارية، والرعوية، والتعليمية. والقسيس لا يُعد أعلي من أفراد الشعب روحيًا، إلا أنه كواحد منهم تفرغ للخدمة الدينية كل الوقت للتعليم الديني داخل الكنيسة، ويرأسه (المجمع) الذي يرأسه (السنودس) الذي يضم جميع القسيسين، ويتم فيه اتخاذ القرارات الإدارية عن طريق نظام ديمقراطي بأغلبية الأصوات.[10] والرسامة للقسيس في نظر الكنيسة الإنجيلية ليس معناها تسليم موهبة روحية معينة من شخص إلي آخر، وهو ما يُعرف بسر الكهنوت عند التقليديين. ولكن الرسامة في نظر الكنيسة الإنجيلية هي إقرار الجماعة (الكنيسة)، وإعترافًا منها بمواهب معينة أٌعطيت من الله لشخص معين، يتم فرزه وتخصيصه للخدمة الدينية في الكنيسة، دون أن تكون لديه أفضلية على غيره في الجسد الواحد. فالجميع متساوون أمام الله. والجميع في حاجة إلى نعمته، إلا أن هذا لا يتعارض مع أن خدّام الله لهم كرامة مٌضاعفة، وعلى الكنيسة أن تعتبرهم جدًا في المحبة، وأنه بحسب كلمة الله ودستور الكنيسة الإنجيلية مستحق كل إكرام وتشجيع وتعضيد وطاعة في الرب.

كهنوت جميع المؤمنين أم فوضى جميع المؤمنين

روي لي أحد الأصدقاء وهو مسئول عن أحد بيوت المؤتمرات، أنه في يوم من الأيام كان في البيت مؤتمر لبعض الخدّام المتفرغين. ففوجئ بأنهم في أحد أيام المؤتمر يقومون بممارسة فريضة العشاء الرباني، بدون وجود أي قسيس مرتسم في وسطهم للقيام بهذه الممارسة ذات الطابع الخاص.والمٌقننة من قبل الكنيسة ونظامها بأن المنوط بهذه الممارسات هو القس المٌرتسم. وحكي لي أيضًا أحد الأصدقاء بأن بعض الكنائس التي لا يوجد بها رعاة. يتساءل القيادات بها هل يمكن لنا القيام بتلك الممارسات بأنفسنا؟ ولم يكتفي البعض بالتساؤل بل قد تم بالفعل التطاول وممارسة هذا المارسات وغيرها ببعض الكنائس. وتم خرق النظام الكنسي وضياع رهبة وقدسية هذه الممارسات الكنسية وممارستها بنوع من الفوضي تحت مبدأ كهنوت جميع المؤمنين. وهذا الأمر هو ما دعاني أن أتساءل هل هو كهنوت جميع المؤمنين أم فوضي جميع المؤمنين. ورأيت أن هناك سببين رئيسيين وراء هذا الخرق والاعتداء على الأدوار والأنظمة الكنسية الأول: نابع من قصور في فهم هذا المبدأ الإصلاحي الذي لم يكن أبدًا في فكر المصلحين الأوائل أن يتطور إلى هذا الأمر ليحدث نوع من الفوضي داخل الكنيسة. فرواد الإصلاح هم أيضًا من أكدوا على مركزية ووحدة الكنيسة، ولم يكن قصدهم من البداية وهو تقسيم الكنيسة بل إلى إحداث إصلاح بها، كما أن الفكر الكتابي واللاهوتي ضد الفوضي والتشويش ” لأن الله ليس إله تشويش بل إله سلام” (1كور 14: 33). والثاني: هو التأثيرات السلبية للثورات المصرية في الآونة الأخيرة على الكنيسة حيث تأثرت الكنيسة بما يُسمي بثورات الربيع العربي، وما أحدثته من تغيير في الخريطة السياسية لمصر، وفي كافة النواحي الأخرى الاجتماعي منها والاقتصادي سواء بالسلب أو بالإيجاب. فقد أثرت الثورة على الكنيسة سواء بالسلب أو بالإيجاب من ناحية نظام الكنيسة وإدارتها كمؤسسة، ومن ناحية أخري أثرت الثورة على لاهوت الكنيسة وفكرها والعبادة داخل الكنيسة. حيث أخذت العبادة في كنائسنا شكل مختلف أثناء الثورة، فالخطاب الديني قد تبلبل بأفكار تدبيرية تفهم النصوص الكتابية بشكل حرفي وظهر جدال في كنائسنا حول ما يقوله نص الكتاب المقدس في أشعياء 19، وغيرها من النصوص الأخرى ولا سيما النصوص ذات الطابع الرؤوي، والتي كشفت عن وجود مشكلة خطيرة في كنائسنا وهي في رأيّ أم المشاكل العقائدية واللاهوتية في كنائسنا وهي قصور مفهوم الكنيسة عن الوحي والذي تآثر بالفكر الإسلامي عن الوحي. فأصبح هناك تشويش حول مفهوم الوحي، وحول مفهوم السلطة ولا سيما السلطة الدينية، وحول مفهوم الحرية، وأيضًا حول دور المرأة في الخدمة الكنسية. لذا تحتاج الكنيسة في ضوء إحتفالنا بمرور خمسمائة عام على الإصلاح الإنجيلي، إلى وقفة إصلاحية جادة لكي يمكنها أن تواجه التحديات التي فرضتها الثورات على الكنيسة، ولكي يمكنها أن تكمل مسيرتها الإصلاحية والتنويرية التي أبتدأتها في المجتمع المصري. فليس المطلوب منا الوقوف عند إصلاح القرن السادس عشر الأوروبي بل المطلوب دراسة ذلك الإصلاح والتعلم منه ثم المناداة بإصلاح جديد يتناسب مع واقعنا المصري المعاصر من متغيرات أحدثتها الثورة في مجتمعنا المصري ذات الطابع الشرقي.

وفي إطار الحديث عن كهنوت جميع المؤمنين وأنهم جميعًا قديسون في المسيح يسوع إلا أن هذا التعليم آراه لا يتعارض مع التعليم الكتابي أيضًا الذي ينادي بضرورة النظام والترتيب للخدمة داخل الكنيسة، لكي تكتمل الصورة بأوجها. لئلا تتحول خير نعمة إلي أشر نقمة، وتتحول نقاط القوة والإنطلاقة للكنيسة الإنجيلية لتصبح نقاط الضعف والركود بها، وتتحول حرية الضمير المسيحي والحرية المسئولة إلي فوضي مدمرة للكنيسة. لذا لتستقيم الصورة علينا ألا ننسي الجانب الآخر من التعليم الكتابي الذي ينبّر علي تنوع الخدم والمواهب داخل الكنيسة لمنفعة جسد الرب ولبنيان الكنيسة ولإظهار الروح للمنفعة، فإذا كان الجميع متساوون في القيمة أمام الله بحسب المبدأ الإصلاحي” كهنوت جميع المؤمنين” فهذا لا يتعارض في أن هناك تنوع للأدوار داخل الكنيسة. فالله أعطي “البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين، لأجل تكميل القديسين لبنيان جسد المسيح” (أف 4: 11، 12). وتنوع الأدوار مع المساواة في القيمة أمام الله في المسيح يسوع يحتاجان لمبدأ هام للحفاظ على وحدة ومركزية الكنيسة وهومبدأ الخضوع لبعضنا البعض في خوف الله. فلا ينبغي أن نغفل أن وحدة المساواة ووحدة التنوع ووحدة الخضوع، النابعة من فهمنا الصحيح لمبدأ كهنوت جميع المؤمنين، هم خير تطبيق للمبدأ الإصلاحي للحفاظ على وحدة ومركزية الكنيسة واستمراريتها.

وفي ضوء كل هذا أليست تحتاج كنيستنا الإنجيلية إلى وقفة إصلاحية في النظام الإداري لها، بما يتناسب مع قرينتنا المصرية. فما توصل إليه المصلح العظيم كلفن كان في الأصل محاولة منه لتنظيم الكنيسة في مدينة جنيف بعد الإصلاح الإنجيلي. وكانت سويسرا عبارة عن مقاطعات مستقلة تعرف باسم cantons، وكانت جنيف كلها بروتساتنية. وقد حاول كلفن أن يجمع بين الزعامة الدينية والقيادة السياسية. لقد مزج كلفن الدين بالسياسة في إصلاحه لكي يحكم المدينة ويستطيع أن يثبت النظام المشيخي ضد النظام الكاثوليكي.[11]

أليست تحتاج الكنيسة اليوم إلى تجديد التعليم الكنسي بها، وتغييرالأسلوب الهجومي الإصولي في التعليم، وتغيير أسلوب الإرهاب الفكري الذي يحاول أن يخنق كل إبداع يصنع امتداد في ملكوت الله بحجة الخوف على العقيدة، وكأن العقيدة المُصلحة شئ غير قابل للإصلاح، مع أن قلب العقيدة المُصلحة هو الإصلاح المستمر.

أليست تحتاج الكنيسة إلي خلق ثقافة التساؤل لأبنائها في جو من الأمان والحب خالي من التصنيف والتكفير. وتنشئة الأجيال القادمة على الفكر المسكوني والتسامح وقبول الأخر.[12]

 أليست تحتاج الكنيسة الإنجيلية اليوم أن تتعلم من تاريخها المٌرسلي، فتهتم بالفكر التنموي والدور التنويري لخدمة الكنيسة. ولا سيما في تطوير التعليم في مصر ومحاربة الفقر والجهل والمرض. ومراعاة عدم تشريح الإنسان كروح ونفس وجسد بل خدمة الإنسان ككل. والإهتمام بالتعليم والعملية التعليمية وإنشاء مدارس جديدة ومستشفيات أيضًا والإهتمام بالتنمية البشرية.

أليست الكنيسة اليوم تحتاج إلى تقنين التعليم داخل الكنيسة، فلا تصبح منابرنا متروكة لكل عابر سبيل يعلم على هواه ورؤيته الشخصية للنصوص الكتابية ضاربًا بعرض الحائط كل أصول التفسير الكتابي. فلقد تركت الكنيسة اليوم منبرها لكل شخص دون حدود وقواعد لذلك أصبحت بلا هوية ومليئة بكثير من التعاليم المضلة. فنجد فيها المُعلم الدرويش الذي ينادي بمبادئ وقيم لا ولن يعيشها فهي لا تزيد عن كونها إلا مجرد أفكار وخواطر غير قابلة للتطبيق وتحاول أن تعزل الإنسان المسيحي عن إنسانيته وعن مجتمعه وتمثل حملاً وثقلاً علي عاتق الناس تجعلهم يكرهون الحياة المسيحية ويحيدوا عنها. كما نجد اليوم في الكنيسة المُعلم الذي اقتصر المسيحية علي كونها مجرد أفكار ونظريات انخرط في تعليمها وانتفي منها حياة الاختبار والإيمان الحي حيث أخضع صحة كل شئ لمقياس فهمه وإدراك عقله المحدود الذي لا ولن يستطيع أن يستوعب كل شيء مستخدمًا التفكير العلمي من دون التفكير العقلاني لقياس أمور روحية ولاهوتية تُدرك بالإيمان وإعمال العقل معًا. حتى أصبح العقل الكنسي اليوم يحيا في أزمة كبيرة، فبالرغم من أن العالم يحيا اليوم في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا إلا أن العقل الكنسي بات مشلول وعقيم ومقيد بالخرافات والأوهام. ويرجع ذلك إلى ضعف التعليم الكتابي واللاهوتي.

إن الكنيسة اليوم تحتاج أن تكون مجتمعًا متعلمًا بشكل مستمر. يقول شارلس بنتون إيفي: ” لقد كان التعليم هو شغل المسيح الشاغل. لقد كان في أحيان كثيرة “شافيًا”، وفي أوقات أخري كان “صانعًا للمعجزات”، وأوقات أخري كان “واعظًا مؤثرًا” ولكنه كان دائمًا “المعلم”. وهذه هي الصورة التي ينبغي أن تكون عليها الكنيسة اليوم. حيث تحتاج الكنيسة إلى صحوة ونهضة في التعليم كما ُصنع بيد المصلحين مثل لوثر وكلفن وغيرهم. فيجب أن تكون كنيستنا مصلحة دائمًا من نفسه ومن مجتمعها في كل العصور كما كان الرب يسوع مصلح ومكمل لكل بر.

[1] عبد المسيح استفانوس: “الإنجيليون أسماء ومفاهيم”

[2] فايز فارس: ” أضواء على الإصلاح الإنجيلي”.

[3] هوست: “أساقفة وكهنة وشماسة”

[4] ر. ت. كندل: “كيف نفهم علم اللاهوت”

[5] رضا عدلي: “دليل العضوية بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر”

[6] جيمس أنس: “علم اللاهوت النظامي”

[7]ر. ت. كندل: “كيف نفهم علم اللاهوت”

[8] رضا عدلي: “دليل العضوية بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر”

[9] جيمس أنس: “علم اللاهوت النظامي”

[10] إكرام لمعي: “الإنجيليون والآخر”

[11] صموئيل رزفي: “تجديد الفكر الديني”.

[12] صموئيل رزفي: “تجديد الفكر الديني”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى