عظاتعظات وتأملات

مكنونات الأحشاء

الهدى 1233                                                                                                                               يوليو 2021

في كلمة الله نقرأ كثيرًا كلمة «أحشاء» في رسائل الرسول بولس خاصة ومرارًا تأتي كلمة أحشاء إما معبرة عن حالتنا نحن «أحشاءنا» أو عن شخص المسيح «أحشاء المسيح» فماهي مكنونات هذه الأحشاء .. ماذا تحمل وعن ماذا تُعبَّر عن؟ وكيف لها أن تتصف بالنقاء؟
ومن خلال هذا التأمل سألقي الضوء على نوعين من الأحشاء (أحشاءنا وأحشاء المسيح) ومحاولة المقارنة بينهما مع بيان ما المقصود بكلمة «أحشاء» وإلى ماذا يمكن أن تشير؟ مع التطبيق الروحي والعملي؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكننا الوقوف أمام هذين الشاهدين محاولين التأمل في هذا الموضوع الهام:
كَمَا يَحِقُّ لِي أَنْ أَفْتَكِرَ هَذَا مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، لأَنِّي حَافِظُكُمْ فِي قَلْبِي، فِي وُثُقِي، وَفِي الْمُحَامَاةِ عَنِ الإِنْجِيلِ وَتَثْبِيتِهِ، أَنْتُمُ الَّذِينَ جَمِيعُكُمْ شُرَكَائِي فِي النِّعْمَةِ. فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ أَشْتَاقُ إِلَى جَمِيعِكُمْ فِي أَحْشَاءِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. . فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أحشاء رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ» (فيلبي 1: 7و 8 وكولوسي 3: 12)
وإن كانت الأحشاء عضو جسدي مهم في جسم الإنسان، إلا أن المقصود بالطبع هنا ليس ذلك العضو، فالأحشاء هي القلب والكبد. وقد عرفها القدماء أنها مركز العواطف والأحاسيس كالمحبة مثلًا لذا من المهم روحيًا أن نختبر أحشاء المسيح كنموذج لنا وكيف نعيش ونواجه تحدياتنا بأحشاء تشبه أحشاءه. في ضوء الآيات التالية نستطيع عزيزي القارئ أن نفهم بأكثر عمقًا هذا الموضوع الهام
في ضوء هذا النص المقدس نتأمل في أمرين:
أولًا: أحشاء يسوع
ثانيًا: أحشاءنا كبشر
أولًا: أحشاء يسوع:
يكتب الرسول بولس عن «أَحْشَاءِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» ويقصد بها عواطف وأحاسيس يسوع، أي أنه يحمل لهم محبة المسيح، أي محبة حقيقية وليست غاشة، فالمحبة هي إحدى ثمر الروح القدس، وبسببها يتكون داخلنا اشتياق لخلاصهم. ولأن المسيح يحيا في بولس لذلك صارت أعضاء وعواطف وفكر بولس هي أعضاء وعواطف وفكر المسيح. ألم يقل الرسول إن لنا «فكر المسيح» (1كورنثوس 16:2) وهذه المحبة التي يضعها المسيح في قلوبنا بالروح القدس (رومية 5:5) وهي غير العواطف الطبيعية البشرية. فالعواطف البشرية متغيرة وغير ثابته فقد تتجه العواطف البشرية إلى محبه شخص ما وفي وقت آخر قد تتسم بالعداء والاستبعاد لذات الشخص تبعًا لتقلب الأحوال والظروف صعودًا وهبوطًا أي حسب مدى قرب أو بعد أو عمق العلاقة تتشكل العواطف تبعًا لذلك. والخادم الحقيقي يحمل الشعب في أحشائه، يفرح بخلاصهم، ويتوجع لضعفاتهم. ما أجمل وما أحلى هذه العواطف الرقيقة التي يقدمها بولس إلى أولاده؟! لقد تطابقت مشاعر بولس مع مشاعر سيده المسيح، ومن فيض هذه المشاعر الغزيرة اشتاق بولس أن يرى كل واحد من أولاده، لذا كان إرميا النبي يصرخ: «أحشائي، أحشائي، توجعني جدران قلبي، يئن فيَّ قلبي، لا أستطيع السكوت». (إر 19:4). توجعت جدران قلب إرميا، وهكذا يكشف النبي عن حبه الشديد لشعبه فأحشائه الداخلية، تتمزق، وجدران قلبه تتوجع… وأنينه الداخلي لا ينقطع، فلم يكن ممكنًا له أن يصمت، وهو يرى الخطر يحل بهم. لقد شعر بالعجز، إذ لم يعد قادرًا أن يشفع فيهم، لكنه لا يقدر إلا أن يتألم ويتأوه لأجلهم!
ثانيًا: أحشاءنا
من الواضح أن الصورة النقية للأحشاء (العواطف الداخلية) التي قدمها الرسول بولس ليست هي التي تعاش بنفس القوة في حياتنا كمؤمنين في هذه الأيام، فالواقع الروحي والعملي يقول بأنه ما أبعد ما نسلكه أو نعيشه عن الأحشاء الفعلية ليسوع المسيح. إن الرسول بولس استطاع ان يقول: «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ» (1كورنثوس 1:11)
«فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة» [أمثال 4 :23].
القلب على المستوى الروحي إنما هو جزء من الأحشاء الذي قد يخرج منه ما يبني أو يهدم حياتنا والمعبر عنه هنا بـ «مخارج الحياة»
ما نحتفظ به في قلوبنا يملك على أفكارنا وكلماتنا وسلوكنا، سواء كان ذلك هو برّ المسيح أو الشر.
*لنحفظ قلوبنا، ولنحفظ أفواهنا، (مزمور11:119) «خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك». فالقلب الذي يحكمه كلام الله يستطيع نسيان ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدّام.. فيسعي إلى جعالة دعوة الله العليا».
إن العواطف الداخلية في أعماقنا تحتاج إلى فحص دوري في محضر الله لكي تتنقي بالفعل ويعمل الروح القدس فيها وهكذا علينا أن نسهر ونستيقظ.
نقرأ: «فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أحشاء رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ» (كولوسي 3: 12)
البسوا كمختاري الله: ولكي يكون لكم شكل المسيح عليكم أن تلبسوا المسيح. أي أحشاء رأفات: مثل إظهار المحبة للآخرين وهم في شدائدهم. ونري هنا طريقًا جميلًا لرفع مستوى عواطفنا فالرأفات تجمع بين الرأفة واللطف أي كلام بدون خشونة وتشجيع دون إثارة غضب أحد، بل ومعونة للآخرين. وكذلك مستوى آخر: تواضع وهو شعور داخلي بعدم الاستحقاق للبركات الإلهية، عالمًا أن كل خير هو من الله وليس منَّا ويطلب أن نسعى نحو المكان الأخير. ومستوى ثالث وأخير هو: وداعة فلا نجرح أحد ونحتمل الإهانة ولا نرد بمثلها. قيل عن المسيح الوديع «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته» (متى 19:12).
أخيرًا
ليت هذا المقياس الناصع إلا وهو أحشاء يسوع يكون أمام اعيننا دائمًا حتى نعيد تكريس قلوبنا وننقي عواطفنا ودوافعنا لكي نكرم فادينا ومخلصنا على الدوام في حياتنا فنكون مثالًا ناصعًا له.

القس رأفت رؤوف الجاولي

* تخرج في كليّة التجارة جامعة أسيوط 1988م،
* ثم تخرج في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة 1995م،
* خدم في الكنيسة الإنجيليّة في بنها،
* سِيمَ راعيًا للكنيسة الإنجيليّة الثانيّة بالطيبة، سمالوط، المنيا عام 1997م،
* نُصِّبَ راعيًّا للكنيسة الإنجيلية في سيدي بشر قبلي-الإسكندريّة عام 2000م،
* أصبح قسًا مرسليًّا (Missionary Pastor) وسط اللاجئين العرب في لوس أنجلوس 2011،
* يخدم مع عدد من الكنائس المشيخيّة الأمريكيّة في مجال الكرازة والتدريب، له عدد من الكتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى