آية في قرينتهادراساتدراسات كتابية

هل هي هكذا.. لألئ قدام خنازير

الهدى 1235                                                                                                                              سبتمبر 2021

هل حقًا قال يسوع: «لا تُعْطوا القُدْس للكِلاب، ولا تَطْرحوا دُرَرَكُم قُدَّام الخَنازيْر»؟ ماذا قَصَد ب «القُدْس والدُّرَر»؟ مَن كان يقصد ب «الكلاب والخنازير»؟ وما مَعْنى ذلك الكَلام؟ إنَّ الأصْحاحات (5-7) عظة المسيح على الجبل، تتَضَمَّن نَصائح وإرْشادات عمَليَّة لتقويم السُّلوك الإنساني لكلّ مَن يريد أن يتَّبِع السيد المسيح ويكون تِلْميذاً له. كما تتَضَمَّن تعاليم عن علاقَتِنا بالله وعلاقاتنا بعْضنا ببَعْض. وفي الفَقْرة التي نَحْن بصَدَدها الآن يعلّم المسيح كيف نسْلُك مع الإخوة المُخطئيْن إلَيْنا وإلى أنْفُسِهم، هَلْ نصْمُت، أمْ نُكَلِّمهُم عن عيوبهِم؟ وكيف يَجِب أنْ نتَكَلَّم؟ هذا هو الموضوع الأساس الذي تناوله المسيح، والذي في ضوئه نفهم قصده.
الإدانة والانتقاد والنقد
لكي نَفْهَم ذلك النَّصّ الذي أمامنا يَجِب أنْ نُفَرِّق بَيْن هَذه الكَلمات الثَّلاث: النَّقْد، والانْتِقاد، والإدَانَة. فـ «الإدَانَة» عمليَّةٌ تُحَوِّل الآخَر إلى مُتَّهَم، وتُصْدِر أحكاماً عَلَيْه وعَلَى أفْكَارِه وقِيَمِه التي يَعْتَنِقُها ويعتزّ بها. «الانْتِقاد» عملٌ سَلْبي، يختلق العُيوب، أو يراها بحَجْم أكْبَر مِنْ حَقِيْقَتها. أمَّا «النَّقْد» فهو عملٌ إيجابي، يسعى لرُؤْيَة العُيوب في حَجْمِها الحَقِيْقي، وإعْطاء وجْهَة نَظَر فِيْها لإصْلاحِها، مع رُؤية الإيْجابيَّات أيْضاً، وهو ما يُمَيِّز عَلاقَة الإخْوَة مَعاً. وبِناءً عليه، فإنَّ قَوْلَه «لا تَدِيْنوا»، يَعْني «لا تتَّهموا باطلًا».
إذاً، فالسيد المسيح لَم يتَكلَّم هنا ضِدّ الانتقاد، بَلْ ضِدّ الإدَانَة. لأنّه هو نَفْسُه انَتقَدَ أخْطاء مُجْتَمَعِه الدِّينِيَّة والتَّقْليديَّة والسِياسِيَّة بكُلِّ شَجاعَةٍ، خاصَّة في الأمور الدِّينِيَّة. فنَقْرأ في (متى 23)، كيف انتَقَدَ يسوع بعُنْف سُلوكيَّات الكتبة والفَرِّيسيين. وهو بذلك يُعَلِّمنا الشَّجاعة الأدَبِيَّة والنَّفْسِيَّة، ولا يُعَلِّمنا السُّكوت عن الخَطأ والجُبْن والهُروب مِن مَسْؤوليَّة التَّفْكير المَوْضُوعي وإصْلاح الإخْوة. إنَّه يُعَلِّمنا شَجَاعَة: ضَبْط النَّفْس، ودَفْع الظُّلْم عَن مَظْلومٍ، وتَحَدِّي المَواقِف والأفْكار العَقِيْمَة بَعْد تَقْييمِها، والقُدْرَة على التَّعْبِيْر عَن الأفْكار والمشَاعِر بوضُوح ودِقَّة والْتِزام،بل والقُدْرَة على اسْتِقْبال وقُبول النَّقْد، والتَّعاطي معهما.
أمَّا الشُّجاع فهو القادر على تقييم نَفْسَه بكُلِّ إخْلاص، دُونَ إفْراط في اكْتِشاف ما هُوَ جَيِّد لدَيْه، ودُونَ اسْتِخْفاف بأيِّ خَطَأٍ بسِيْط ارْتَكَبَه سواء بفِكْرٍ أو بقَوْلٍ أو بفِعْلٍ. فالشُّجاع لَدَيْه القُدْرَة الكافِيَة ليَثُور على نَفْسِه ويُعاتِبها، ويَسْتَهْجِن مَواقِفَه السَّلْبِيَّة والخَاطِئة. بل ولدَيْه الكَفاءَة النَّفْسِيَّة والرُّوحِيَّة أن يواجِه إخْوَته بعُيوبِهِم لإصْلاحِها، وليس لانْتِقادِهِم، أو إدَانَتِهِم، لكن لنَقْدِهِم نَقْداً صَحِيْحاً في جَوٍّ صِحِيٍّ.
والمسيح هنا يَدْعونا لنَعْرف مَتى نَتَكَلَّم ومتى ننتقُد، ومَتى نَصْمُت ونَنْتَظِر اللحظة المناسبة لقول الحّقِّ، وكَيْف نَقُوله بمَوْضوعِيَّة وشَجاعَة وبالكيفيَّة المناسبة. لأنّ عمليَّة النَّقْد تَحْتاج إلى انْتِباه وحِكْمَة. ولَيْس كُلّ شَخْص يَصْلُح أنْ يَنْقُد الآخَرين، ولا يستطيع كُلّ شَخْص أنْ يَقْبَل النَّقْد المُوَجَّه إلَيْه. هذه مُقدِّمة لابُدَّ منها لفهَم معانِي كلامات المسيح في ذلك النَّص، الذي بين أيديناحيث يضَع أرْبَعَة مَبادِئ تَجْعَل النَّقْد مُفِيْداً للطَّرفين، الناقِد والمُنتَقَد:
احْذَر الإدانةَ (1- 2)
«لا تَدِيْنوا لكَيْ لا تُدَانُوا…» إذا أرَدْتَ أنْ تَنْقُد، عليك أنْ تَنْتَبِه لئلاَّ تَدِيْن وتَحْكُم باطلًا على غَيْرك. فهُناك أشْخاص بحُكْم وَظِيْفَتهم يَدِيْنون الآخَرين ويَحْكُمون عَلَيْهِم، سلبًا أو إيجابًا مِثْل القاضي والحَاكِم والحَكَم؛ والسيد المسيح لا يوجه كلماته هذه لأمثال أولئك، بل لنا نحن في علاقاتنا الشَّخْصِيَّة الفَرْدِيَّة بَعْضنا ببَعْض. فعِنْدما يقول: «لا تَدِيْنوا»، فإنَّه يَعْني: «لا تَجْعَل من نَفْسَك قاضِياً تَحْكُم على النَّاس، ولا تُعْطِ لنَفْسَك سُلْطَةً على الآخَرين، لأنّ الدُّستور الذي يَرْبط علاقاتنا مَعاً هو: «كُلّ ما تُريْدون أنْ يَفْعَل النَّاس بِكُم افْعَلوا هَكَذا أنْتُم أيْضاً بهِم».
فلا تَدِن الآخَرين فِيْما أنْتَ تَفْعَله، فنَقْدُك في تلك الحالَة يكون باطِلاً، لأنَّكَ بالدَّيْنونَة التي بها تَدِيْنُ غَيْرَك، سَوْف تُدانُ أنْتَ، وبالكَيْل أو المقياس الذي بِهِ تَكِيْلُ لغَيْرِكَ، سَوْفَ يُكالُ لَكَ. فعِنْدما تُفْكِّر أنْ تَنْقُد الآخَر، انْتَبِه لهذا القانون: «ما تُطَبِّقه على نَفْسِك طَبِّقْه على غَيْرك، وما تريد أن تطبِّقه على غيرك، طبِّقه على نفسك أولاً». فإذا كُنْتَ تُريد أنْ يكون نَقْدُ النَّاس لكَ عادِلاً، يَجِبْ أنْ تَكون عادلاً في نَقْدِك إيَّاهُم. أمَّا إذا كُنْتَ تَدِيْن غَيْرك، تَوقَّع أنْ يُكال لَكَ بالمِكْيال نَفْسِه.
والنَّقْد يكون باطِلاً ويُحْسَب انْتِقاداً وإدَانةً في الحالات التالية:
أ. الأحْكام العَامَّة:
كاتِّهام عائلَة ما بأنَّ كُلّ أفْرادها يُخْطِؤون دائماً خطأً مُعَيَّناً. أو وَصْف أمَّة مُعَيَّنة بصِفات سَيِّئة. أو وَصْف مُجْتَمَع ما بأكْمَله بسُلوك غَيْر أخْلاقي…. الخ. هذه كلّها أحْكام عامَّة، والأحْكام العامة تَحْمِل إدَانَة. هكذا قالوا عن المسيح «أمِن النَّاصِرة يمكن أن يكون شيءٌ صالحٌ؟»، فكان حُكمهم عاماً على أهْل النَّاصِرَة.
ب. الأحْكام بحَسَب الظَّاهِر:
والحُكْم بحَسَب الظَّاهِر يُعْتَبر إدَانَة أيْضاً، لأنَّه يَجِبْ مَعْرفة الأسْباب الحَقِيْقِيَّة والدَّوافِع الكامِنَة وراء أفْعال النَّاس قبل أن نَحْكُم عَلَيْها بالخَطأ.
ج. الأحكام المُتسرِّعة:
التَّسَرُّع في إطْلاق الأحْكام على الآخَرين بَدَل التَّرَيُّث لمَعْرفة الحقيقة، يُعْتَبَر أيْضاً إدَانَة.
اكتشف نفسك أولاً (3-4)
«لماذا تَنْظُر القَذَى في عَيْن أخِيْكَ وها الخَشَبَة في عَيْنِكَ؟» يُبيِّن المسيح هنا العلاقَة بَيْنَ نَقْدَك للآخَر واكْتِشافِكَ لنفسكَ. فكُلَّما رأيْتَ عُيوباً وأخْطاءً في غَيْرك، يَجِبْ أنْ تَقِف مع نَفْسِك بصِدْق وتَسْأل: هَلْ أنا بلا عُيوب؟ المسيح لا ينهاك عن أن تَنْظُر القَذَى في عَيْن أخِيْكَ، فهذا واجبك نحو أخيك. بل يقول لك: «لا تفعل ذلك فقط، فعندما تَرى القَذَى في عَيْن أخِيْك، راجِع نَفْسَك واكْتَشِف نَفْسَك أولاً في ضوء ما رأيت، هَذه مُناسَبَة مُناسِبَة جداً لتَعْمَل ذلك». فهو لا يَمْنَعنا مِن أنْ نَرى ذلك القذى، لكنَّه يَمْنَعُنا مِن أنْ نَدِيْن المُخْطئيْن ونُصدر أحكامنا عليهم، فَمَن نَحْن حتى نَدِيْنَهُم؟ بل يُريدنا أنْ نَرى تلك الأخْطاء بعُيون مَفْتوحَة وبمَوْضُوعِيَّة ومحبَّة صادقة، فهذا يساعدنا بدرجة كبيرة أن نَرَى ونَكْتَشِف عُيوبنا وأخْطاءنا.
يُقَدِّم السيد المسيح هنا مُفارَقَة سَاخِرَة بَيْن نوعَيْن مِن الأخْطاء والعُيوب، القَذَى والخَشَبَة. لماذا تَنْظُر القَذى (الخطأ الصَّغير) في عَيْن أخِيْك (من وجهة نظره)، بينما تَهمِل النَّظَر إلى الخَشَبَة (الخطأ الأكبر) التي في عَيْنك (من وجهة نظرك)؟ عندما تكتشف العَيْب الذي في غَيْرك، اكْتَشِف بسرعة ما هو فِيْك أولاً. فَقَد تَكون القَذَى التي في عَيْن أخِيْكَ ظِلٌّ للخَشَبَة التي في عَيْنِكَ أنْتَ. فمَن يَنْقُد غَيْره دون أنْ يُلاحِظ نَفْسَه، هو شَخْص غَيْر صادِق مَع نَفْسه، ويُناقِض واقِعَه والحقيقَة، لأنَّه يتَكَلَّم عَن عُيوب النَّاس الصَّغيرة، بَيْنَما يتغاضى عن العُيوب نَفْسَها وبحَجْم أكبر جداً، الموجودة فيه هو. فهو إذاً أعْمى البَصِيْرة لأنَّه غَيْر قادِر أنْ يراها في نَفْسِه.
إنَّ أشَرّ الخُطاة هُم الذين لا يَشْعرون بخَطاياهم، وهُم أكْثَرهُم تَعَجُّلاً ومُبالَغَة في إدَانَة وانتقاد الآخَرين. يَجِبْ أنْ نَكْتَشِف عُيوبنا مِن خلال رؤيتها في غَيْرنا. فكُلَّما رأيْتَ خَطأً في أحَدٍ، انْظُر إلى نَفْسِكَ واذْكُر أنَّه كان مِن المُمْكِن أنْ تكون أنْتَ في ذات المَوْقِف.
أصْلِح نفسك أولاً (5)
«يا مُرائي أخْرِج أولاً الخشبة مِن عينك، حينئذ تُبصر جيِّداً أن تُخرج القذى مِن عين أخيك». هنا يُبَيِّن العَلاقَة بين نَّقْد الذَّات وإصْلاحِها من جانب، وبين نَقْد الآخَر وإصْلاحِه من جانب آخر. المُرائي هو المُمثِّل الذي يُؤدِّي دَوْر شَخْصِيَّة مُخْتَلِفَة عن شَخْصِيَّته الحَقيقِيَّة، كمَن يُظْهِر الُّلطْف وبداخِله قَسْوَة، أو يُظْهِر الحُبّ للآخَر وهو يَكْرَههُ بشِدَّة. هَدَفُه النِّهائي دائماً هو الحُصول على إعْجاب وتَصْفِيْق الجُمْهور له. يقول السيد المَسيح: لا تَكُن مُرائِياً، لأنَّه كَيْفَ تَتَجَرَّأ أيُّها المُرائي على إصْلاح وجهة نظر أخِيْكَ، بَيْنَما أنْتَ لا تَهْتَمّ أبَداً بإصْلاح نَفْسِك. بل اعْمَل ما يلي بهذا التَّرْتِيْب للاسْتِفادَة مِن عَملِيَّة النَّقْد: رؤية عيوب الآخر & رؤية العَيْب الشَّخْصي & إصْلاح العَيْب الشَّخْصي & إصْلاح عَيْب الآخَر. فعِنْدما تَرى عَيْباً في وجْهَة نَظَر أخِيْك، فكر أنك ربما نفي العيب فيك، وإن اكتشفت ذلك أصْلِح وجْهَة نَظَرِكَ أنْتَ، حتى تَنْجَح في إصْلاح العَيْب الذي تراه في وجْهَة نَظَر أخيك. وهذا واجبك نحو أخيك.
احْذَر من الضَّرر (6)
«لا تُعْطوا القُدْس للكلاب ولا تطرحوا دُرركم قدَّام الخنازير لئلاَّ…». بهذه النَّصِيْحَة الرَّائِعَة خَتَم المسيح مَوْضوعَه. هناك مَنْ يَرى أنَّها قاعِدَة عامَّة وضَعَها للكِرازة بالإنجيل، لأنَّ بَعْض النَّاس يُسِيْؤون للرِّسالة أثْناء اسْتماعِهِم إلَيْها. فاعتبروا أنَّه وجَّه هذه التَّعْليمات لتلاميذه: «لا تَطْرَحوا رسالة الإنجيل، الثَمِيْنَة والمُقَدَّسَة، أمام خنازير وكلاب لا تُقَدِّر قَيْمَتَها. فلا تكْرِزوا لمَنْ يَرْفُض أنْ يَسْمَع، ولا لمَن لا يُقَدِّر قِيْمَة الكَلِمَة لخَلاصِه، فالكِرازة لهؤلاء مَضْيَعَة للوَقْت وإساءَة للحَقّ». هل هذا ما كان يقصده المسيح هنا؟
رُغم أنَّها فِكْرَة صَحِيْحَة، مِن النَّاحِيَة المَوْضُوعِيَّة، لكِن لا عَلاقَة لها بكَلامه هُنا، لأنّه لَمْ يَكُن يتَكَلّم عَن الكِرازة، بَلْ عَن النَّقْد والفَرْق بَيْنَه وبَيْن الانْتِقاد والإدانَة. لذلك، فما يريد أن يقوله لتلاميذه: «احْذَروا إذا كانَت عِنْدكُم نِيَّة صافية أنْ تُقدِّموا نَقْداً لإصلاح الآخَرين، يَجِب أنْ يُقَدَّم النَّقْد بصِدْق، وفي جَوٍّ صِحيْح صِحِيّ، وبأسُلوب مُهَذَّب، وأنْ يُوجَّه إلى أناسٍ يُرَحِّبون بِه ويُقَدِّرون قِيْمَتَه الثَّمِيْنَة المُقَدَّسَة، فيقبلونه».
وهكذا اعتبر المسيح النَّقْد المَوْضوعي المُخْلِص الهَادِف، بالطَّريقة التي شَرَحَها هنا، بمَثابَة دُرَرٍ ثَمِيْنَة، وعَمَلٍ صالِحٍ مُقَدَّسٍ، لأنَّه يَعْمَل على إغناء النَّفس وتَطْهِيرها، سواءٌ نَفْس النَّاقِد، أو مَن يُوجَّه إلَيْه ذلك النَّقْد. لكنَّه ينصحنا أخيراً بانْتِقاء النَّوعِيَّة التي نُوجِّه إلَيْها نَقْدنا هذا. فالذين لا يُقَدِّرون قِيْمَة النَّقْد الثَّمِيْن والنَّصائح المُقَدَّسة، يُشَبِّههم المسيح هُنا (بكلابٍ وخَنازير)، وهي حيوانات اعْتُبِرَت نَجِسَة بحسب الشَّريعة اليَهودِيَّة. فاللؤلؤة التي تُلْقَى لخَنْزير أو كَلْب، لَنْ يأكُلَها، بَلْ يَدوسها في الأوحال فتَنْتَفي فائدتها. لذلك، يُحَذِّرنا مِن أنْ نُقَدِّم النَّصائح الثَّمِيْنَة لمِثْل هؤلاء، لأنَّ النَّتيجة المُتوَقَّعَة هي أنْ تدوسَها بأرجُلها وتَلْتَفِت لتُمَزِّقَنا.
احذر الهجمة المُرتدَّة.. عِنْدما تَنْقُد شَخْصاً لا يُقَدِّر قِيْمَة نَقْدِكَ، قَدْ تكون رَدّة فِعْله، لَيْس فَقَط عَدَم قُبولِه نَقْدَك، بَلْ سيَتَحَوَّل إلَيْك ويهاجمك ويُشَوِّهك بانْتِقاداته الَّلاذِعَة، وإدَانَة سُلوكك ومُعْتَقداتك. سَوْف يتَحَوّل عن مَوْضوع النَّقْد ويتَوجَّه إلَيْك شَخْصِيّاً في هجمة مُرتدَّة. وبَدَل أنْ يَسْتَفِيْد مِن كلامِكَ الثَّمِيْن المُقَدَّس، الذي تَهْدِف به إصْلاح فسادِه، يَعْتَدي عَلَيْك ويُمَزِّق سِيْرَتك. هذا ما اخْتَبَره المسيح نَفْسه عِنْدما نَقَدَ تَصَرُّفات اليَهود الدِّيِنِيَّة، فهاجَموه واتَّهَموه بأنَّه مُشَعْوِذٌ. لأنَّ العَيْن المَرِيْضَة دائماً تَكْرَه النُّور. وضَعِيْفُ الحُجَّة الذي لا يَسْتَطِيعُ الرَّدَ، يَطْعَن صاحِب الفِكْرَة نَفْسه. هَذه طريقة الضُّعفاء في رَفْض النَّقْد ومُقاوَمَة التَّغْيير.
إذاً، السيد المسِيْح لا يُعَلِّمنا هنا أنْ نَحْكُم على أحَدٍ بأنَّه مِن الخَنازير والكَلاب، عندما يرفض نَصائِحَنا ونَقْدنا. فبَيْنَما بَدَأ مَوْضوعَه مُحذِراً بقَوْله: «لا تَدِيْنوا»، فقَد خَتَمَهُ بإدَانَة كُلّ مَنْ لا يَقْبَل النَّقْد بحَسَب ما قَدَّمَه. يَجِب الالْتِزام بالتَّرتيب الذي قَدَّمه هُنا، للحُصول على الفائِدَة المَرْجُوَة مِن النَّقْد:
«عِنْدَما تَرى خَطأً في وجْهَة نَظَر أخيك: اكْتَشِف أولاً الخَطأ في وجْهَة نَظَرِك، ثُمَّ أصْلِح نَفْسَك، ثُمَّ أصْلِح أخاك. لكِن احْذَر مِنْ أنْ تَرْفُض أنت ذَلِكَ النَّقْد عندما يُقالُ لك، واحْذَر مِنْ أنْ تُخْطئ في اخْتِيار الشَّخْص الذي تُقَدِّم لَهُ نَقْدَك هَذا».

القس أمير إسحق

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة ١٩٨٢م، وقد خدم راعيًا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في كلٍ من إسنا والعضايمة ١٩٨٤-١٩٩١م، ثم الكنيسة الإنجيليّة في الجيزة والوراق ١٩٩١-١٩٩٦م،
* بعدها أصبح راعيًّا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في اللاذقية-سورية ١٩٩٦-٢٠٠٥م،
* وأخيرًا خدم راعيًّا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في صور وعلما الشعب-لبنان ٢٠٠٥-٢٠٢٠م،
* خلال تلك الفترة اُختير رئيسًا لمجلس الإعلام والنشر-سنودس سوريا ولبنان ولمدة ٢٠ سنة،
* ثم مسؤولًا عن مركز مرثا روي للعبادة ٢٠٢٠-٢٠٢٣م في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى