مَن يرعى الرعاة؟
الهدى 1249 مايو ويونيو 2023
تنحدر خدمة الرعاية، من صورة الراعي الذي يرعى خرافه. تتضمّن صور خدمة الرعاية ثلاثة أدوار أساسيّة يقوم بها الراعي:
الأول، امداد الخراف بالغذاء والماء الضروري، لإبقائهم على قيد الحياة.
الثاني، حماية الخراف لا سيما عندما تمرّ في ظروف صعبة وقاسية، تجعلهم يشعرون بعدم الأمان.
الثالث، مساندتهم وقيادتهم لكي لا يضلّوا الطريق.
ويشدّد الكاتب «تيم»، في كتابه التعبّدي، «بينما يسهر الرعاة على رعيتهم»، على أهمية معرفة الراعي لخرافه بأسمائها، الأمر الذي يشير إلى العلاقة الحميمة التي تنشأ بين الراعي وخرافه. يقول الكاتب، «إن إطلاق الراعي أسماءً على خرافه إنما هو تعبير قوي ملموس، يظهر نوعية العلاقة المميّزة بين الاثنين: الراعي والخراف. لهذا على الرعاة أن يكونوا في علاقة حميمة مع رعيتهم، ليرافقوهم ويواكبوهم في تفاصيل ظروفهم، ويفهموا احتياجاتهم».
على جانب أخر تُظهر دراسة استبيانية أجريت عام 2008 على مجموعة من رعاة الكنائس، فقد تبيّن أنّ 53% من الرعاة يشعرون بالوحدة أثناء خدمتهم لرعيتهم. بينما أظهرت دراسة حديثة من قبل مؤسسة بارنا في أميركا، أن 75% من الرعاة يتعرّضون لضغوطات هائلة تسبّب لهم الخوف والارباك والقلق والكآبة. كما تبيّن في الدراسة، أن 57% من الرعاة الذين يعيشون تحت ضغوطات هائلة، هم مستعدون لترك خدمة الرعاية، إذا ما توفّرت لديهم فرص أخرى للعمل تحت ضغوطات أقلّ. هذا يُفسِر كيف أن الواعظ الكبير جورج وايتهاد، خاطب ذات مرّة سيّده المسيح قائلًا: «سيّدي يسوع أني متعب في عملك، ولكن ليس من عملك». فقد أقرَّ ذلك الواعظ بالضغوطات الكبيرة المرافقة للخدمة الأمينة، لكن العمل في خدمة الرب هو فرح وامتياز.
مما لا شكّ فيه أن الأغلبية الساحقة من الرعاة يصابون في فترات معيّنة بالاضناء الرعوي والاحباط الروحي والنفسي. لهذا فالسؤال البديهي الذي يطرح نفسه، هو ماذا يفعل الراعي عندما يعاني من الاضناء والاحباط والوحدة، ويكون هو بنفسه بحاجة ماسة إلى التشجيع والرعاية؟ وهذا يقودنا، إلى السؤال الكبير هو: من يرعى الرعاة؟
يذكر متخصّصون في حقل الرعاية، بعضًا من الأسباب التي تؤدّي إلى احباط الرعاة، أذكر منها ما يلي:
أولًا، تضع بعض الكنائس توقّعات كبيرة من الراعي، يعجز عن انجازها.
ثانيًا، يكتشف بعض الرعاة، أن الأمور في الكنيسة لا تسير كما يحلو لهم. وهكذا، تتحوّل خدمة الراعي إلى عمل روتيني، فيخسر الراعي فرحه وشغفه في الرعاية.
ثالثًا، نظر بعض أعضاء الكنائس، إلى أنّ للرعاة واجبات وليس لديهم حقوق.
رابعًا، تعرّض الراعي باستمرار إلى الانتقادات، من قبل المسؤولين عن خدمتهم، وأعضاء رعيتهم، إلى حدّ اغتيال شخصيتهم وخدمتهم، دون أن يسمعوا كلمات التشجيع التي هي ضرورية جدًا، لاستمرار خدمتهم بفعالية. وبالتالي، يرى الرعاة أنفسهم، أنهم يسكنون في بيوت زجاجية من السهل رشقها بالحجارة.
وعلى جانب أخر تقوم بعض الكنائس التي أدركت الصعوبات والضغوطات الهائلة التي يتعرّض لها الرعاة، بتعيين منسّقين متخصّصين لرعاية الرعاة ومواكبتهم في خدمتهم وظروفهم، والتأكّد من صحتهم النفسية والروحية. يرى المتخصّصون، أنه من الأفضل أن يرعى الرعاة، راع أو رعاة أمناء متميّزون بمحبتهم وتفانيهم وحسن سيرتهم الأخلاقية والروحية، لأن الراعي الذي لديه خبرة الرعاية، يمكنه أن يفهم في العمق احتياجات الراعي الذي هو في حقل الرعاية. يذكر القس دايفد هايل، الذي يخدم كمنسّق لخدمة «تمكين الرعاة من النمو»، أن الرعاة يتعرّضون في بعض الأحيان لجروحات نفسية كثيرة، ويشعرون أنهم متروكون، ليس من يهتم بتضميد جروحاتهم، ويواسيهم في آلامهم. ولضخامة الضغوطات عليهم، يشعرون أنهم غير قادرين على الاستمرار بفعّالية في خدمتهم، ومساعدة كنائسهم على النمو كما يجب». ان المصلح جان كلفن الذي أدرك الصعوبات التي يواجهوها الرعاة، أسّس أثناء خدمته في جنيف ما عرف، بـ «جمعية القسوس»، المؤلّفة من كل القسوس الذين كانوا يخدمون في جنيف. وهكذا، كان يجتمع قسوس جنيف شهريًا، ويتشاركون مع بعضهم في كلّ تحدّيات الرعاية. الضغوطات الكنسية والعائلية. يشاركون فشلهم ونجاحاتهم، ويصلّون مع بعضهم ومن أجل بعضهم البعض، الأمر الذي مكّن الرعاة في خدمتهم.
يذكر المنسقّون المتخصّصون، في تمكين خدمة الرعاة، ومواكبتهم أثناء رعايتهم لكنائسهم، بعض النقاط الأساسية التي تساعد الراعي في خدمته، منها:
أولًا، على الراعي أن يدرك جيًدا أن ولاءه الأول والأخير، هو لراعي الرعاة العظيم، ربنا يسوع المسيح الراعي الصالح الأمين.
ثانيًا، على الراعي أن يذكّر نفسه، انه ليس فقط راع، لكنه أيضا خروف يحتاج لرعاية المسيح له من خلال البقاء في علاقة روحية معه، من خلال الصلاة ودراسة الكتاب المقدس.
ثالثًا، على الراعي أن يتذكّر أنه مسؤول أولًا أمام الله، ومؤتمن على خدمته من قِبل الله أوًلا، قَبل أن يكون مؤتمنًا من قِبل أي مؤسّسة كنسية، أو مسؤول كنسي.
رابعًا، على كل راع، أن يكون لديه راع نموذجي ملهم (إن كان حيًّا أو منتقلًا إلى سيّده) يكون له مثال في محبته ورعايته وعطاءاته.
خامسًا، على الراعي تنمية مهاراته اللاهوتية والمعرفية باستمرار، لكي يغني نفسه ويشبع روحه، ويحارب الجفاف المعرفي واللاهوتي الذي يتعرض له.
سادسًا، على الراعي أن يتذكّر أنه إنسان عادي مثل باقي الناس. وأنّ له ضعفاته، وهفواته، التي يجب أن يعترف بها للمسيح الغافر، الذي يؤهّله باستمرار لخدمته. وعليه أن يتصرّف بعفوية دون أن يسيء إلى صورة الراعي، لكي لا يكون حجر عثرة أمام رعيته في الكنيسة والمجتمع.
سابعًا، على الراعي أن يصرّ على أخذ أجازة سنوية مع عائلته للراحة والتمتّع بعائلته خارج ضغوطات الخدمة. هذه الراحة، هي ضرورية جدًا ليلتقط الراعي أنفاسه، ويكمل خدمته بفرح.
وأخيرًا، وبالتالي، على المسؤولين، وجمهور الكنيسة أن يصلّوا من أجل رعاتهم.