Uncategorizedدراسات كتابية

الروحانية مقابل الجسدانية

الهدى 1211                                                                                                                               يوليو 2019

المَسِيْحِيَّة لَيْسَت فَقَط دِيَانَةُ الحَياة الأُخْرَى السَّعِيْدَة، لَكِنَّهَا أيْضَاً دِيَانَةُ الحَيَاة الحَاضِرَة السَّعِيْدَة. لِذَلِكَ، تَهْتَمّ كَلِمَة الله بتَعْلِيْمِنا كَيْفَ يَجِبُ أنْ نَحْيَا سُعَدَاءَ هُنَا، لِكَيّ تَمْتَدّ مَعَنا تِلْكَ السَّعَادَة إلَى الأبَد هُنَاك. لِذَلِكَ، انْتَقَيْتُ بَعض العَلامَات الأسَاسِيَّة لِلْحَيَاةِ المَسِيْحِيَّة، الَّتي تَجْعَلُنا سُعَدَاءَ في حَيَاتِنَا وعَلاقَاتِنَا.
وهي مِمَّا يُمَيِّز الحَياة في المسيح، لَيْسَ باعْتِبَارِها العَلامَات الوَحِيْدَة، ولا لأنَّها أفْضَل وأهَمّ مِنْ عَلامَات أخْرَى، لكِن لاعْتِقَادي أنَّها عَلامَات أسَاسِيَّة لنَوْعِيَّة الحَياة التي يَجِب أنْ يَحْياها المسِيْحي الحَقِيْقي، وهِي تَضُمُّ في دَاخِلِها تَفَاصِيْلَ كَثِيْرَة مُهِمَّة، عن أهَمّ مَا يُمَيِّز الحَياة المسِيحِيَّة الحَقِيْقِيَّة، التي يُرِيدنا الله أنْ نَحْياها، ولنَبْدأ رحْلَتَنا
الرّوحانيَّة مُقابِل الجَسْدانيَّة
الإنْسان الرّوحاني
لَقَد خَلَقَنا الله وأعْطَانا هَذِه الحَياة لِيَكُونَ هُوَ هَدَفُها، وأيَّة حَياة لا تَهْدِف إلَيْه، لا تَسْتَحِقُّ لَقَبَ «حَيَاة»، بل مُجَرَّد «عَيْش». الإنْسَان الرُّوحاني هُوَ الذي هَدَفُهُ الوَحِيْد {مَحَبَّة الله وطَاعَتَهُ}. فيَسْعَى نَحْوَ الله بِشَوْق، يَعْرِف الله ويُحِبُّه بِصِدْق، يَعِيشُ مَعَهُ ويَثْبُتُ فِيْه بأمَانَة، ويَكون في عَلاقَة دَائِمَة مَعَه بإخْلاص، ويُطِيْعُ وَصَايَاهُ ليَكُونَ بحَسَب مَشِيْئَة الله. كُلَّما تَذَوَّق حَلاوَة العِشْرَة مع الله، ومُتْعَة اللقاء مَعَهُ، كُلَّما قَلَّت مُتْعَتَهُ وثِقَتَهُ وتَعَلُّقَهُ بالأشْيَاء أو الأشْخَاص. لذَلِكَ قال الحَكِيْم: «النَّفْسُ الشَّبْعَانَة تَدُوسُ العَسَل، وللْنَّفْس الجَائِعَة كُلّ مُرٍّ حُلُوٌ» (أمثال 27: 7). فالنَّفْس التي تَشْبَع بِالله تَدُوس كُلّ شَهَوات الأرْض الزَّائِلَة، ولا تَتَهَافَت عَلَيْها وتَتَذَلَّل أمَامَهَا. كَمَا نَقْرَأ عَن بولُس، الذي قَيَّم عَلاقَتَهُ ومَعْرِفَتَهُ بالمسيْح وقَال: «خَسِرْتُ كُلَّ الأشْياءِ، وأنَا أحْسَبُها نُفَايَةً، لِكَيّ أرْبَحَ المسيح» (فيلبي 3: 8). خَسِرَ السُّلْطَة، والتَّواصُل مَعَ القِيَادَات، وكُلّ الامْتِيازات الدِّينيَّة، واعْتَبَرَها نُفَايَة، لأنَّ المسيح كانَ هَدَفهُ الأعْظَم.
الإنْسَان الرُّوحَاني يَتَّجِهُ دَائِماً نَحْوَ الله. مِثْل البُوْصَلَة التي لا تُغَيِّر اتِّجَاهَها مَهْمَا تَغَيَّر وَضْعَها أوْ مَوْضِعَها. فَهُو {يَتَطَوَّر دُونَ أنْ يَتَغَيَّر، يَكْبُر دُونَ أنْ يَتَكَبَّر، ويَحْتَفِظُ بثَبَاتِهِ في كُلِّ وثَبَاتِه}. أمَّا غَيْر الرُّوحَاني، فإنَّه ضَعِيفٌ، مُتَزَعْزِع، مُتَرَدِّد، يُغَيِّر خُطَطَهُ ويَتَحَوَّل عَنْ أهْدَافِه الرُّوحَانِيَّة، بسَبَب مَخَاوِفَ وإغْرَاءَات الحَياة. إنَّ سَمَكَةً صَغِيْرَةً تَسْتَطِيعُ أنْ تَسْبَحَ ضِدَّ تَيَار الماء، مَهْمَا كان شَدِيْدَاً، وتَسْتَمِرُّ في مَسِيْرَتِها، بَيْنَما كُتْلَةٌ ضَخْمَةٌ مِنَ الخَشَب يَجْذِبُها تَّيَار الماء حَيْثُما يَشَاء، لأنَّها بِلا رُوح ولا هَدَف. هَكَذا الفَارِق بَيْنَ الإنْسَان الرُّوحانِي والإنْسَان الجَسَدِي.
الروح ضدّ الجسد
في (رومية 8) يتَحَدَّث بولُس بكُلِّ وضُوح عَن حَياةِ الرُّوح، بمُقَارَنَتِهَا بِضِدِّها، حَياة الجَسَد. ويسْتَخْدِم في هَذا الفَصْل كَلِمَتانِ أسَاسِيَّتان تَتَكَرَّران كَثِيْراً {رُوح، جَسَد}. هُنَا نَوْعَان مِن الحَياة يَسِيْرَان في اتِّجَاهَيْن مُتَضَادَّيْن. حَياةٌ يُسَيْطِرُ عَلَيْها الجَسَد ورَغَبَاتِهِ الخَاطِئَة، وهي حَياةٌ تَسِيْرُ نَحْوَ المَوْت، لأنَّها تَقَعُ تَحْتَ دَيْنُونَة الله العَادِلَة. وحَياةٌ يُسَيِطْرُ عَلَيْها الرُّوح القُدُس، ويَكُونُ فِيْها المسيح هُوَ المَرْكَز، وهي تَتَقَدَّم في السَّيْر مَعَ الله، ولا تَقَعُ تَحْتَ دَيْنُونَةِ الله، لأنَّها مُسْتَتِرَة في المسِيْح «لا شَيءَ مِنَ الدَّيْنُوْنَة الآنَ عَلى الذيْنَ هُمْ في المسيح يسُوع» (رومية 8: 1).
الجَسَد لَيْسَ خَطِيَّة ولا شَرَّاً، وإلاَّ ما كان الله قَدْ خَلَقَهُ ورأى أنَّه حَسَنٌ جِدَّاً، ومَا كان المسيح تَجَسَّد ولَبِسَ جِسْمَاً بَشَرِيَّاً. فالكِتاب المقَدَّس يُعَلِّمنا أنَّ الجَسَد مُقَدَّس، لأنَّه هَيْكَلٌ للرُّوح القُدُس، وأدَاة لتَمْجِيد الله «ألَسْتُم تَعْلَمُونَ أنَّ جَسَدَكُم هُوَ هَيْكَلٌ لرُوحِ الله .. فمَجِّدُّوا اللهَ في أجْسَادِكُم وأرْوَاحِكُم» (1كورنثوس 6: 15، 19، 20). فالجَسَد يَشْتَرِكُ مَعَ الرُّوح في عِبَادَة الرَّبّ وفي خِدْمَتِه. إذَنْ الجَسَد لَيْسَ شَرَّاً ولا خَطِيَّة، بَلْ سُلوكُ الجَسَد وتَغْلِيْبِهِ عَلى الرُّوح. لذَلِكَ يَقُول: «اسْلُكُوا بالرُّوح فَلا تُكَمِّلوا شَهْوَةَ الجَسَد، لأنَّ الجَسَد يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوح» (غلاطية 5: 16-17).
لِلْجَسَد احْتِياجات طَبِيعِيَّة يَجِب إشْبَاعها: الحَاجَة إلى الطَّعَام، وانْتِقَاء الأطْعِمَة المُفِيْدَة لَهُ، والعِلاج، والوِقَايَة مِن الأمْرَاض والأخْطَار، ومُمَارَسَة الرِّياضَة. فَلا يوجَدُ خَطَأ في إشْبَاع تِلْكَ الاحْتِيَاجَات، وغَيْرِها مِن الاحْتِيَاجَات الطَّبِيْعِيَّة المشْرُوعَة. أمَّا بولس فقَد اسْتَخْدَم كَلِمَة «جَسَد» في رسائله بثَلاثَةِ مَعَانٍ: الأوَّل، الجِسْم المُكَوَّن مِنْ لَحْم وعَظْم ودَم. وقَد اعْتَبَر المسيح الاهْتِمَام بالجِيَاعِ والعِطَاش والمَرْضَى والعُرَاة، وكُلّ عَمَلٍ صَالِح لأجْلِ الجَسَد بِهَذا المَعْنى، اعْتَبَرَهُ اهْتِمَاماً مُوَجَّهاً لَهُ شَخْصِيَّاً. الثَّاني، وِجْهَة النَّظَر الإنْسَانِيَّة، مَثَلاً يَقُول: «المسِيحُ ابْن دَاوُد مِنْ جِهَة الجَسَد»، أي بحَسَب النَّظْرَة البَشَرِيَّة. الثَّالِث، الطَّبِيْعَة البَشَرِيَّة السَّاقِطَة العَاجِزَة، وهَذا هُوَ المَعْنَى الذي اسْتَخْدَمَهُ في (رومية 8). فالسُّلوك بحَسَب الجَسَد، لَيْسَ هُوَ السُّلوك بحَسَب ما يتَطَلَّبَهُ مِن احْتِيَاجَات طَبِيعِيَّة، ولا السُّلوك بحَسَب وِجْهَة النَّظَر الإنْسَانِيَّة، بَلْ هُوَ السُّلوك بحَسَب الطَّبِيْعَة الشِّرِّيْرَة الفَاسِدَة، سُلُوك التَّمَرُّد عَلى الرُّوح القُدُس.
هَذَا مَا قَالَ فِيْهِ بولس: «أُقْمِعُ جَسَدِي وأسْتَعْبِدَهُ» (1كورنثوس 9: 27)، أيّ {سَوْفَ أُسَيْطِرُ على شَهَوَاتي وطَبِيْعَتي الفَاسِدَة، سَوْفَ أُعْطِي لجَسَدي مَا يُرِيدهُ مِن احْتِياجَات، لكِنْ إذا تعَلَّق بالمَادَّة مِمَّا يُخْرِجُهُ عَن النِّطَاقِ الرُّوحي، وتَمَرَّد عَلى الحَياة الرُّوحَانِيَّة، فَسَوْفَ أجْعَلَهُ عَبْداً للرُّوح ولَيْسَ العَكْس}. لذَلِكَ أوْصَى المُؤمنِيْن: «أنْ تُقَدِّمُوا أجْسَادَكُم ذَبِيْحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّة عند الله» (رومية 12: 1-2)، أي أنْ تَذْبَحُوا تِلْكَ الطَّبِيْعَة الشَّهْوَانِيَّة الفَاسِدَة. أمَّا شَهَواتُ الجَسَد الفَاسِدَة، فَلَيْسَت فَقَط الزِّنا وإسَاءَة اسْتِخْدَام الجَسَد، بَلْ أيْضاً الميُول النَّفْسَانِيَّة المُضَادَة للرُّوح (يهوذا 18، 19؛ يعقوب 3: 14-16). فالإنْسَان النَّفْسَانِي في لُغَة العَهْد الجَدِيْد هُوَ الذي تَقُودهُ غَرائِزهُ النَّفْسِيَّة لا رُوْحَهُ، مِثْل: الكِبْرِياء، الانْتِقَام، حُبّ السُّلْطَة، الحَسَد، الثَّرْثَرَة… الخ. هَذِه كُلَّها مُيُول نَفْسَانِيَّة أرْضِيَّة شَيْطَانِيَّة.
الحياة الروحانيَّة
«الرُّوحَانِيَّة» عَكْس الزَّمَنِيَّة والمادِيَّة. هي أسْلُوب الحَياة الأقَلّ تَعْقِيْداً، والأكْثَرَ مِنَ الإحْسَاس اليَوْمِي بالأشْيَاء. هِي إعَادَةُ تَشْكِيل الفِكْر والحَياة لتَكُونَ عَلى صُوْرَة الله. هَذِه الحَياة تَتَلَخَّص في أمْرَيْن أسَاسِيَّيْن: {خُضُوع الجَسَد للرُّوح، وخُضُوع رُوح الإنْسَان للرُّوح القُدُس}. فالجَسَد يَكونُ مُقَدَّساً عِنْدما يَخْضَع للرُّوح، وهُنَاك دَائِماً صِرَاعٌ قَائِمٌ بَيْنَهُما، وقَد عَبَّر عَنْهُ بولُس بِصِرَاعِ سَارَةْ وهَاجَر في (غلاطية 4). لكِنْ رُوح الإنْسَان وَحْدَها رُوح خَاطِئَة. لذَلِك يَقُول: «قَبْلَ الكَسْرِ الكِبْرِيَاء، وقَبْلَ السُّقُوط تَشَامُخ الرُّوح» (أمثال 16: 18). لذَلِكَ فإنَّ رُوح الإنْسَان تَحْتَاجُ أنْ تَخْضَع لرُوح الله، والحَياة الرُّوحانِيَّة هي التي يَعْمَل مَعَها وفِيْها وبِها الرُّوح القُدُس. فمَتَى يَكُونُ الإنْسَانُ رُوحانِيَّاً؟ لَيْسَ عِنْدَما يَقُولُ أنا إنْسَانٌ رُوحَانِيّ، أنا عُضْوٌ فَعَّال في الكَنِيْسَة. بَلْ إذا كان رُوح الله يَسْكُن فِيْه، ليُعَلِّمَهُ ويُطَهِّرَهُ ويُرْشِدَهُ.
إذاً فَالإنْسَان الرُّوحاني: يَهْتَمُّ بجَسَدِه، يُغَذِّيْهِ ويُنَظِّفهُ ويُعَالِجَهُ، ويُقَوِّيه ويُرَبِّيْه. وكَما يُعْطِي لجَسَدِه حَقَّه، يُعْطِي أيْضاً رُوْحَهُ حَقَّها وشِبَعَها بغِذَائِها الوَحِيْد «لَيْسَ بالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإنْسَان، بَلْ بكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ الله». وكَما يُعَالِجُ الجَسَد عِنْدما يَضْعُف ويَمْرَض، يُعَالِجُ أيْضَاً رُوْحَهُ مِنْ أمْرَاضِها الرُّوحِيَّة. وكَمَا يُزَيِّنُ جَسَدَهُ بأشْكَال وألْوَان كَثِيْرَة، يُزَيِّن رُوْحَهُ أيْضاً بثَمَر الرُّوح القُدُس (غلاطية 5)، و «زِيْنَةُ الرُّوح الوَدِيعِ الهَادِئ» (1بطرس 3: 4).

عَشْر وصايا لتَحْيا الحياة الروحانيَّة

(1) كُنْ مُسْتَعِدَّاً أنْ تَخْسَر الكَثِيْر وتَتْرُك الغَالِي لأجْل الأغْلَى والأبْقَى، لِكَي تَرْبَحَ مَعْرِفَة المسِيح الحَقِيْقِيَّة. اعْلَم أنَّ هذا الأمْر لَيْسَ سَهْلاً، بَلْ هُنَاكَ تَكْلِفَة، كُنْ مُسْتَعِدَّاً أنْ تَدْفَعَها.
(2) لا تَجْعَل الأمُورُ الرُّوحِيَّة هَدَفاً لَكَ. مَثَلاً، لا تُصَلِّي إلاَّ إذا كُنْتَ تُحِبُّ الرَّبَّ وتُحِبُّ التَّوَاصُل مَعَهُ، ولا تَدْرِس الكِتَاب المُقَدَّس إلاَّ لتَتَعَرَّف على الله وتَعْرِف وَصَايَاه، ولا تُقَدِّم خِدْمَة إلاَّ لأبِيْكَ الذي يَرَى في الخَفَاء. فَلا تَعْمَل أيَّ شَيء لتَنَال رِضَى النَّاس، بِلْ رِضَى الله.
(3) لا تَجْعَل إصْلاح الأشْخَاص والأوْضاع هَدَفاً لَكَ. هُنَاكَ مَنْ يَثُورُ ويُخَاصِمُ ويَدِينُ ويُشَهِّرُ، ويَغْضَبُ ويَحْقِدُ ويَفْقِدُ هُدُوءَهُ وسَلامَهُ، ويَتَحَوَّل إلى قُنْبُلَة مُتَفَجِّرة تَقْذِفُ شَظَايَاهَا عَلى كُلِّ مَنْ حَوْلَها، كُلّ ذَلِكَ بِدَعْوَى الإصْلاح وحِرْصِهِ عَلى الصَّالِح العَام. وعِنْدَما نَبْحَثُ عَن عَلاقَة هَذا الشَّخْص بِالله، لا نَجِدُها. فَهُوَ يُحَاوِل الإصْلاح مِنْ دُونِ مَحَبَّة الله، ومِنْ دونِ مَعْرِفَتِه، لدَيْهِ غَيْرة بِلا رُوحَانِيَّة، وحَمَاسَة بِلا مَحَبَّة.
(4) لا تَجْعَل الخِدْمَة نَفْسَها هَدَفاً لَكَ، بَل المسيح الذي تَخْدمهُ. مَا أكْثَر الذين بَدَأوا خِدْمَة الرَّبّ بالسَّعْي لمَجْدِ الرَّبّ، لكِنَّهُم انْتَهَوُا إلى مَجْدِ أنْفُسِهِم، وأصْبَحَت الخِدْمَة عِنْدَهُم هَدَفاً بِلا رِسَالَة. نَسوا الله وبَحَثُوا عَن نَجاحِ الخِدْمَة، ونَجاهم هُم شَخْصِيَّاً. وبِذَلِك تَحَوَّلَت الخِدْمَةُ إلى مَجالٍ للسَّيْطَرَة وحُبِّ الظُّهور، وتَحَوَّلَت إلى نَشَاطَات مَوْسِمِيَّة لاسْتِخْدَام الطَّاقات المُتَاحَة، وضَاعَ الهَدَف الحَقِيْقِي الأسْمَى، والرِّسَالَة الرُّوحِيَّة الأبْقَى.
(5) اجْعَل الرَّبَّ أمَامَكَ في كُلِّ حِيْنٍ، ليَكُن هُوَ هَدَفكَ مِن العِبَادَة والعَمَل والخِدْمَة، عِنْدَئِذٍ تُصْبِحُ لحَيَاتِكَ قِيْمَة ومَعْنى. وإذا كانَت خِدْمَتك تُبْعِدَك عَن ذَلِكَ الهَدَف الرُّوحَاني العَظِيْم، اتْرُكْها لأنَّها تُبْعِدكَ عَن الله. فَالابْن الضَّال الذي كان في البَيْت هُوَ الأخ الأكْبَر، الذي كان يَخْدُم أبِيْهِ بكُلِّ حَمَاسَة، لكِنَّه كانَ بَعِيْداً تَمَاماً عَنْ قَلْبِ أبِيْهِ ومَحَبَّة أخِيْهِ.
(6) اسْأل نَفْسَكَ وأجِب بأمَانَةٍ: هَل الله هُوَ هَدَفُكَ الوَحِيْد والأوَّل؟ أمْ أنَّه أحَد أهْدَافِكَ، أوْ آخِر قَائِمَة أهْدَافك؟ هَل تُعْطِيهِ ما يَتَبَقَّى عِنْدَك مِن الوَقْت والجَهْد والمَال؟ رَاجِع نَفْسَكَ دَائِماً وأجِب بأمَانَةٍ.
(7) ثَبِّت هَذا الهَدَف ولا تتَغَيَّر عَنْهُ {أريدُ أنْ أُحِبّ الرَّبّ مِنْ كُلّ قَلْبي وكُلّ قُدْرَتِي، أريدُ أنْ أكُوْنَ شَبَه المسيح، أريدُ أنْ أنْمُو في مَعْرِفَتِه}. وكُنْ كسَهْم البُوصْلَة، لا تُغَيِّر اتِّجَاهَك عَن ذَلِكَ الهَدَف مَهْما تَغَيَّر وَضْعًُكَ أو مَوْضِعُكَ أو الأوْضَاعُ مِنْ حَوْلِكَ. لَقَد بَدَأ سُلَيْمان الحَكِيم بهَدَفٍ رُوحي عَظِيْم، لَكِن عِنْدَما أرَادَ أنْ يَجْمَعَ بَيْن الله والمُتْعَة الخَاصَّة، فَشَلَ فَشَلاً ذَرِيْعاً وسَقَط (1ملوك 11).
(8) إذا كانَ الله هُوَ هَدَفُكَ، فَلا تَكُن مُتَرَدِّداً ذا قَلْبَيْن. لا تَنْظُر للوَرَاء مِثْلَ امْرَأة لُوط عِنْدَما خَرَجَت مِن سَدوم. وحنانِيَّا وسَفِّيْرَة هَلَكَا لأنَّهُما حَاوَلا أنْ يَجْمَعا بَيْنَ جُزْءٍ مِن المال وبَيْنَ الانْتِمَاء للكَنِيْسَة.
(9) كُنْ مُسْتَعدَّاً أنْ تَتَألَّم مِنْ أجْل رُوحانِيَّاتَك الحَقِيقِيَّة. فمَن يُرِيدُ أنْ يَسْلُك طَرِيق الرُّوحانِيَّة عَلَيْه أنْ يَدْخُلَ مِنْ الباب الضَّيِّق. فابْذُل وأنْفِق ذَاتَكَ لأجْلِ هَدَفك السَّامي.
(10) ابْحَث دَائِماً عَن الهَدَف مِنْ حَيَاتِكَ. فَالحَيَاةُ عَطِيَّة مِن الرَّبِّ، لكِنْ لِرِسَالَة خاصَّة. ابْحَث عَن تِلْكَ الرِّسالَة وعِشْ مِنْ أجْلِها واسْعَ لتَحْقِيْقِها. اسْأل نَفْسَك: لماذا وَضَعَني الله في هَذَا المكان؟ وفي ذَلِكَ التَّوْقِيت؟ ومَعَ هَؤلاء؟ لماذا أعْطَاني تِلْك الإمْكانِيَّات؟ لماذا أتَاحَ لي تِلْكَ الفُرَص؟ ولماذا رَفَّعَني إلى هَذَا المَرْكَز؟ واعْلَم أنَّ الله لَمْ يَخْلِقَكَ لتَعِيْشَ ثُمَّ تَمُوت، بَلْ خَلَقَكَ لتَعِيْشَ وتَتَمَتَّع بِهَذِه الحَياة عَلى طَرِيْقَتِه هُوَ، لأعْمَالٍ صَالِحَةٍ قَدْ خَلَقَك لتَسْلُكَ فِيْها، ثُمَّ تَعِيْشَ مَعَهُ إلى الأبَد. إذا اكْتَشَفْتَ تِلْك الأعْمَال، التي يُرِيدُكَ أنْ تَعْمَلَها، سَيَكُونُ لحَيَاتِكَ قِيْمَةُ ومَعْنَى؟

القس أمير إسحق

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة ١٩٨٢م، وقد خدم راعيًا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في كلٍ من إسنا والعضايمة ١٩٨٤-١٩٩١م، ثم الكنيسة الإنجيليّة في الجيزة والوراق ١٩٩١-١٩٩٦م،
* بعدها أصبح راعيًّا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في اللاذقية-سورية ١٩٩٦-٢٠٠٥م،
* وأخيرًا خدم راعيًّا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في صور وعلما الشعب-لبنان ٢٠٠٥-٢٠٢٠م،
* خلال تلك الفترة اُختير رئيسًا لمجلس الإعلام والنشر-سنودس سوريا ولبنان ولمدة ٢٠ سنة،
* ثم مسؤولًا عن مركز مرثا روي للعبادة ٢٠٢٠-٢٠٢٣م في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى