رئيس التحريركلمات وكلمات

كلمات وكلمات ديسمبر 2020

الهدى 1226                                                                                                                                ديسمبر 2020

يتحدث كثيرون هذه الأيام عن أن المنبر في الكنائس قد تغير كثيرًا عن ما قبل عشرين عامًا، فمنذ بداية الكنيسة المشيخية في مصر1854م إعتمدت في تقديم ذاتها على ثلاثة أساسيات: الأول هو الوعظ المنبرى المبنى على الكتاب المقدس وتفسيره بعمق كتابى ولاهوتى لكن ببساطة، لذلك كان أباؤنا يقولون لنا من حوالي نصف قرن لاحظوا «العمق الكتابى واللاهوتى مع البساطة في الشرح».
والأساس الثاني: البعد الرعوي، كيفية سداد إحتياجات أعضاء الكنيسة من رعاية بمعنى بناء علاقات رعوية مع جميع أعضاء الكنيسة بلا تفرقة بين غني وفقير، شاب ورجل وطفل وامرأة، بالسؤال عنهم باستمرار على قدر ما يستطيع الراعي تقسيم وقته بين التعليم والرعاية، فالإثنان لا يفترقان.
أما الأساس الثالث: الخدمة الاجتماعية أي زيارات المرضى وسداد الإحتياجات للفقراء، والمعونة الصحية خاصة لقسوس الريف لأنَّ الخدمة الصحية لم تصل للريف قبل خمسين عامًا، وحتى اليوم هناك قرى لم تصلها الخدمة الصحية الكاملة، لكن كل هذه الخدمات لم يكن الراعي يتابعها ولا علاقة له بها سواء معونة الفقراء،أو العناية الصحية، أو مشروعات البناء بكل أنواعها، أي أن أي أمر يتعلق بالأموال كان محرمًا على الراعي أن يقوم به، وهو الذى يطلب ذلك لسببين الأول: أن مهامه الوعظية والتفسيرية والخدمة الرعوية تأخذ جُل وقته، أما السبب الثانى: حتى لا يكون هناك مجال لآخرين لمحاسبة الراعي، فإذا تبنى الراعي مشروعًا ما وصار مسؤولًا عنه سوف يكون مطلوبًا منه أن يقدم حسابًا عنه، وهنا لابد وأن يترفع الراعي عن وضع نفسه في مثل هذا الموقف.
من هنا كان تقسيم العمل والتوصيف الوظيفي في منتهى الوضوح، فالراعي معلم يفسر الكتاب المقدس، ويعظ به، ثم يرعى شعبه بالمشورة وزيارة المرضى منهم… إلخ، أما باقي الأعمال فتوزع على مجلس الشيوخ والشمامسة والأعضاء المتميزين كل في مجاله الذى يتقنه ويحبه.
أما منبر اليوم فقد تركه الرعاة لغيرهم بحيث أصبح الراعي يُعلِّم أو يعظ مرة واحدة أو إثنين شهريًا فقط، وذلك لأن الراعي إنشغل في المشاريع والمبانى… إلخ. وهكذا يصير هدفًا لكل من هب ودب.
ما نحتاجه اليوم –عزيزي القارئ- هو ليس العودة للماضي لأن الماضي لا يعود، لكن أن تكون هناك فلسفة ما للإجابة على السؤال ما هو الهدف من وجود المنبر كمركز للكنيسة؟! هل هو التعليم والوعظ؟! وهذان أمران مختلفان، أم هو للترنيم أساسًا وبين ترنيمة وأخرى تأمل في إتجاه مختلف بين عدة أفكار وعظية أثناء الترنيم؟! وهل عمل الراعي اقتصر على دعوة أناس للمنبر سواء للوعظ أو الترنيم ويعظ هو مرة واحدة صباحًا وأخرى مساءًا شهريًا.
لقد علمونا في كلية اللاهوت، وعلَّمنا نحن آخرين أنه لابد للراعي أن تكون له فلسفة «ندعوها فلسفة الخدمة لدى الراعي» وهي تختلف من راعٍ لآخر بإختلاف شخصيته ومن كنيسة لأخرى بإختلاف جماهير الكنيسة من حيث المستوى الثقافي والمادي….الخ وأنه بمجرد وصول الراعى للكنيسة عليه أن يتعرف على خريطة الكنيسة من حيث العدد والمستوى العلمى والإجتماعى… إلخ، ثم ينكب على وضع خطة للأجابة على سؤال كيف يرتقى بهذه المجموعة كتابيًا وفكريًا ثم يقدم هذه الخطة لمجلس الكنيسة، وتوزع المهام على أعضاء مجلس إدارة الكنيسة على أساس مهارات وتخصصات أعضاء المجلس، وبعد عام تناقش النتائج في المجلس ثم الجمعية العمومية التى تناقش الراعى وأعضاء المجلس كوحدة واحدة مسؤولة عن تحقيق الخطة. والسؤال هو أين كنائسنا ورعاتنا اليوم من هذا الأمر؟!
خبرة رعوية
إنشغلت مؤخرًا ولأسباب موضوعية بمصطلح «رِجل الدكة» (بكسر الراء) وتذكّرت هذا المصطلح والذى إستمعت إليه لأول مرة في حياتى عام 1971م عندما عينني مجمع ملوي في قرية بها كنيسة تابعة له، وعندما سمعت هذا المصطلح لأول مرة في حياتى لم أفهمه أو لم أفهم المقصود منه، لأن قائله فاه به أثناء عودتنا من سهرة جميلة تناولنا العشاء أثناءها وتسامرنا وقد ربط صديقي بين شخص معروف جيدًا لنا كان معنا في السهرة والمصطلح، وكان يتحدث عنه وهو يضحك قائلًا: «أعظم رجل دكة في مصر» فاستفهمت منه بسذاجة شديدة، ماذا يعنى «برجل الدكة».
فأخذ يضحك بصوت عالٍ ولم أستطع أن أوقفه فإغتظت، وإنتظرت حتى إنتهى، ثم سألنى: طيب أنت تعرف يعنى أيه «دكة أو كنبة» قلت له وأنا مغتاظ طبعًا يا أخي وهو أنا خواجة، قال تبدو كذلك، ثم أردف طب الدكة لها كام رجل قلت وأنا مغتاظ غالبًا أربعة، قال ممتاز، سأل: وإذا إنخلعت واحدة من هذه الأرجل أو كُسرت ماذا يحدث؟! فغضبت جدًا وقلت له ما تتكلمش، إسكت مش عاوز أفهم حاجة قال لي: بص فيه ناس لا تعرف كيف تفكر لذاتها أو لغيرها، أو تعرف لكنها شخصيات ضعيفة غير قادرة على إتخاذ قرار، وليس لها أى حيثية فلكي يكون لها شأن تنتمي لشخص معروف أو مشهور مثل العمدة أو شيخ البلد أو أحد الأغنياء أصحاب الحيثية، أو أيضًا يمكن أن ينتمي إلى قسيس الكنيسة، وكل عمله أنه يثني على كلمات العمدة أو الرجل المشهور بالرغم من كونه صحيحًا أو خطأ، قلت بغيظ شديد وما علاقة رجل الدكة بمثل هذا الرجل، أخذ يضحك ثانية وهو غير قادر على التوقف، وأنا فشلت في إيقافه حتى هدأ وقال في النهاية: الكنبة لها أربعة أرجل وهم حاملوا الكنبة، أى يسندونها حتى لا تميل يسارًا أو يمينًا، أى يعضدوها، والرجال الذين يطلق عليهم أرجل الكنبة أو الدكة هم دائمًا يصَّدقون على كلمات المتكلم ويسندونه، ويصفقون له مهما كان ما يقوله صحيحًا أم خطأ، حتى لو مش فاهمين، وذلك إما بسبب سطوته أو منفعة مادية أو خلافه، قلت له وأنا أضحك بصوت عالٍ حتى دمعت عيناي فهمت وتركته عائدًا إلى الكنيسة. مش عارف لماذا تذكرت هذه القصة بعد نصف قرن من الزمان، وأنا في طريق عودتي للمنزل بعد لقاء إداري هام ومر في خيالي بعض الوجوه المعروفة لديَّ واستطعت أن أميز بين الدكة وأرجلها وضحكت من قلبي الموجوع على نفسي وكنيستي.
حكاية لاهوتية
كانت المحاضرة عن الراعي وكيف أنه عندما يعين في كنيسة تزدحم الكنيسة بالرواد لسماعه والاستمتاع بخدمته بتركيز، وشكره وهم خارجون يحيوه بأن الخدمة أكثر من رائعة، والبعض يردد بعض الجمل من العظة لكى يعبروا للراعي أنهم كانوا مركزين في سماعهم، لكن مع الوقت ومرور الأيام والسنين، يقل الحضور وكلمات الإعجاب ونظرات الشوق … إلخ والسؤال هو لماذا ؟!
هنا قال الأستاذ سأحكى لكم قصة يُحكى أن شخصًا جاء بسيارة ضخمة (فنطاس) إلى قرية ليبيع مياه نقية ولها رائحة ونكهة مختلفة عن كل المياه التي ذاقوها من قبل، فترك الناس كل مصادر المياه الأخرى التي كانوا يستخدمونها واتجهوا إليه وقد أثر هذا الموقف على بائعي المياه السابقين له، ومع مرور السنين والناس سعيدة بأنها تشترى المياه، الذى يقدمه الرجل، فجأة توقف الرواد ولم يعودوا يلجأون إليه فلم يعد للرجل الحكيم منفعة فترك عمله، ترى لماذا؟ ما هى إقتراحاتكم.
قال تلميذ ربما أحسوا أن المياه تغير طعمها، قال آخر ربما لأنهم لاحظوا أن سائق الفنطاس لا ينظف الوعاء الضخم حامل المياه، قال ثالث وأخيرً ربما لأنهم وجدوا مصدرًا آخر للمياه.
جمع الأستاذ حاجياته وقبل أن يخطو خطوة واحدة قال تلميذ لقد اكتشفوا مصدر المياه.
هتف الأستاذ أنت صح.
ثم أردف لقد انتهيت حضرة الواعظ من مخزونك من العظات وتغير طعم مياهك (عظاتك) لا جديد.عندما يكتشفون المصدر، أو يحفظون طريقتك عندما لا تجدد ما عندك من المياه سوف يبحثون عن مصدر آخر.
مختارات
«آتوق لأن يتغنى بكلمات الكتاب المقدس الفلاح
وهو يسير خلف محراثه، والذى يغزل الصوف، وهو يسمع
طنين مغزله، والمسافر ليسرى عن نفسه تعب الرحلة
وهو يتأمل قصص الكتاب المقدس»
                                     ويكلف

 

د. القس إكرام لمعي

قسيس في الكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الإعلام والنشر
كاتب ومفكر وله العديد من المؤلفات والكتابات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى