آراء

ولماذا لايكون الاختيار ابن رشد؟!

الهدى 1222                                                                                                                   يوليو وأغسطس 2020

يُعد مسلسل «الاختيار» هو أحد أهم المسلسلات التي أثارت جدلاُ كبيراً الأيام القليلة الماضيّة، وترجع أهمية المسلسل في إبرازه للدور الوطني الشجاع الذي يقوم به الجيش المصري في دفاعه عن البلاد والعباد، وصونه للأرض والعرض، كما تظهر أهمية المسلسل في مكافحته للإرهاب ومطاردته للإرهابيين.
وتعرض المسلسل للنقد الفترة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً لأنَّ البعض كان ينتظر من القائمين على المسلسل أن تكون أرضية الحوار من جانب القائمين بدور الضباط والجنود، أرضية وطنيّة وليست أرضية دينيّة ولاسيما أن الجيش المصري في واقعه يتكون من المصريين بتنوعهم الديني، ولا يقتصر على أشخاص ينتمون لدين بعينه.
وزادت حدة الهجوم على المسلسل عندما تحدث أحد الأئمة للضباط والجنود مدافعاً عن فتاوى ابن تيمية، وأن هذه الفتاوى تؤخذ في سياق عصرها، ورأى الناقدون أن مثل هذه الآراء ترسخ لنشر الإرهاب لا مكافحته.
ولست أدري لماذا انحاز القائمون على مسلسل «الاختيار» واختاروا ابن تيمية ولم يختاروا ابن رشد الداعي لإعمال العقل وإعمار الأرض ؟!
إن ابن رشد، يُعد علامة فارقة في الفلسفة العربية الإسلامية التي انحازت إلى العقل وغلّبته على النقل، فهو يرى أنه لا يوجد تعارض بين الدين والفلسفة، وفي أوروبا العصور الوسطى أثرت مدرسة ابن رشد في الفلسفة والمعروفة باسم الرشدية اللاتينية تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين من أمثال توما الأكويني، والفلاسفة اليهود من أمثال موسى بن ميمون، وكانت كتابات ابن رشد تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، ومن أقوال ابن رشد: «الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها»، «اللحية لا تصنع الفيلسوف».
وبالحلف الذي انعقد بين أمراء الأندلس وفقهائه سقط منهج ابن رشد، واتهم صاحبه بالكفر والزندقة، وأُحرقت كتبه في قرطبة، ونُفى إلى قرية من القرى التي كان يسكنها يهود الأندلس تعبيراً عن أنه لم يعد مسلماً ولم يعد يستحق أن يعيش مع المسلمين!!
وبسقوط منهج ابن رشد سقط العقل العربي، واستسلم للنقل والتقليد والطغيان، ولم تمض على هذه المحنة التي دخلها ابن رشد إلا ثلاثة قرون انتهت بسقوط الأندلس كله من أقصاه إلى أقصاه ورحيل العرب والمسلمين والإسلام عنه، في الوقت الذى كان فيه المثقفون الأوروبيون في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا يكتشفون ابن رشد، ويترجمون مؤلفاته إلى العبرية واللاتينية، ويتأثرون بها، ويتحررون من سلطة الكنيسة ويحتكمون للعقل في فهمهم للإنجيل، ويستعيدون علاقتهم بالفلسفة والمنطق، ويخرجون بالتالي من عصور الظلام إلى عصر النهضة الذى انتقلوا منه إلى عصر الاستنارة الذى انتهى بهم إلى هذا العصر الحديث، عصر الديمقراطية والعلم وحقوق الإنسان.
لا سبيل لنا للقضاء على الأصولية الدينية سوى بإحياء تراث ابن رشد ذلك التراث الذي دفناه في شرقنا فتخلفنا، بينما أحياه الغرب فتقدم، إن تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية حول العالم يقتل ويذبح ويحرق لأنه محكوم بأفكار الأصوليين الدينيين وبفقه ابن تيمية الذي عاش في القرن الثالث عشر والذي كفر ابن رشد بسبب قوله بإعمال العقل في النص الديني، وهؤلاء القتلة والإرهابيون قد تجمدوا عند القرن الثالث عشر عندما اكتفوا بابن تيمية المكفر لابن رشد، ففكر ابن تيمة القائل: «بأنّ تأويل النص الديني بحسب فهم ابن رشد هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، هو الأساس الذي قامت عليه الحركة الوهابية في القرن الثامن عشر، وجماعة الاخوان المسلمين في القرن العشرين، ومن هنا فلا حلّ ولا ملاذ إلا في إحياء التراث العقلاني الذي دعا إليه ابن رشد حيث أنه هو الحل في مواجهة الأصولية الدينية التي رسخ لها ابن تيمية.
فهل علينا أن ننتظر مسلسلاً آخر يكون فيه «الاختيار» لابن رشد قبل فوات الآوان؟!!

القس رفعت فكري

قس إنجيلي بالكنيسة الإنجيلية المشيخية رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بمصر الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى