الغنوسية وتوابع معاصرة لتسونامي شفرة دافنشي
لمست أثناء تدريس مادة تاريخ الفكر المسيحي في القرون الأولى بكلية اللاهوت الإنجيلية أن بعض التساؤلات تثار وتستغرق مناقشتها بعض الوقت. فهنالك من تختلط عليهم الأمور فيعتقدون أن بعض الكتابات الغنوسية وجدت طريقها لتكون ضمن الكتابات التي كانت لها مكانتها في العبادة المسيحية بل وفي صياغة العقائد المسيحية وفكرها اللاهوتي. وهنالك من اختلط عليهم الأمر بين أناجيل العهد الجديد وبعض الأناجيل المزيفة، وغير ذلك الكثير.
وأدركت أن هذه التساؤلات وهذا الخلط الغريب يرجع لأننا قبلنا ككنيسة إنجيلية تقديم بعض الدراسات لقادة الكنيسة في أحد مؤتمراتهم، ونشر بعض المقالات التي تقدّم هذه الأفكار. وأرجو أن يكون ماثلاً لدى القارئ أن كل الإشارات في هذا البحث مأخوذة من هذين المصدرين فقط، ولا اقتباس من غيرهما.
ونبهني بعض الأحباء إليّ أن هناك من خارج الكنيسة من يتلقفون هذه الآراء والأفكار ليشنوا عن طريقها هجومًا على المسيحية وعقائدها مما يسيء إلينا كثيرًا ككنيسة إنجيلية، وكمعهد لاهوتي له سمعته ومكانته من تنبير على التعليم القويم والسليم.
أزعجني كثيرًا كل هذا، كما أزعج كثيرين غيري. ولأن الأمر يتعلق بالفكر المسيحي في القرون الأولى، ألّح عليّ أصدقاء كثيرون لأن أعدّ دراسة تكون في متناول الجميع تقدم التعليم الصحيح حتى لا تتغلغل مثل هذه التعاليم في مجتمعنا الإنجيلي، سيما وأن هذه التعاليم تقدّم نفسها باعتبارها دراسة علمية أكاديمية، بينما هي في واقع الأمر بعيدة عن ذلك كما سنرى.
ولاحظت أن من يروجون لهذه التعاليم يقولون أن السجالات التي أحاطت بـ «شفرة دافنشي» ودعوة دان براون لدراسة الكتابات الغنوسية وغيرها في تحررٍ من آراء وقيود الماضي، وجدت صدى في نفوس شباب يرغب في التحرر مصحوبًا بنزعة استقلالية، ليدرس بنفسه ولنفسه بعض الكتابات الغنوسية عله يكتشف فيها ما لم يكتشفه السابقون! وفي حريةٍ وانطلاق، يقوم بدراسة تعطي انطباعًا أكاديميًا، إنما بأسلوب انتقائي يبحث عن ما هو جديد مثير في تجنب واضح لما هو معروف ومألوف! ولذلك لا يمانع في السير في خطى دان براون وما أحدثه من إثارة، مما سيتضح لنا جليًا ونحن نستكمل هذه الدراسة.
وأدركت لذلك أن ما نعاني منه هو في واقع الأمر ليس سوى توابع الزلزال أو بلغة العصر «تسونامي شفرة دافنشي»، مما سيزداد وضوحًا ونحن نتقدم في هذه الدراسة.
لذلك دعونا نُلقي نظرة سريعة على شفرة دافنشي.
لقراء وتحميل الكتيب